للمحة، يبدو الهدوءُ سيدَ الموقفِ في بلدةِ بيت فوريك شرقيَ نابلس، لكنّهُ يُخفي حقيقةَ الحَراكِ المجتمعيّ المتفاعلِ الذي تعيشُه منذُ أشهر، ما بينَ مؤيدٍ ومعارضٍ لدفعِ ضريبةِ الأملاك.
فما إن تصل إلى مقر المجلس البلدي، حتى يتبين حجم التخريب والدمار الذي أحدثه المحتجون، بعد أن عملوا على حرق الإطارات المطاطية ورشق المقر بالحجارة مما تسبب بتكسير زجاجه، والاعتداء على سيارة توزيع المياه.
القصةُ بدأت عامَ 2012م، عندما أجرت وزارةُ الماليةِ مسحاً للأراضي والعقاراتِ في البلدة، وبعدهَا بعامين أصدرت قراراً بأنَ كلَّ مواطنٍ يرغبُ بإخراجِ قيدٍ من المالية، يجبُ أن يُسدِّدَ ما عليهِ من ضريبةِ أملاك.
لكن المحتجين، يقولون: "إن القرار بقي طي الكتمان، ولم يكشف عنه رئيس البلدية المعين بالتزكية -عارف حنني- إلا بعد حوالي أربع سنوات من صدوره، ويفرض على الأهالي ضرائب بأثر رجعي عن تلك السنوات الماضية.
الحراك بدأ نهاية العام الماضي 2016، بالاحتجاج على الضريبة، لكنه بات أشد ضراوة عندما تم ربط الترشح لانتخابات المجلس البلدي في بيت فوريك، بالحصول على براءة الذمة، أي بعد تسديد الالتزامات السابقة.
حراك مجتمعي
انقسمت بيت فوريك حول القضيتين، وخرج بيان يدعي أنه يمثل فصائل العمل الوطني يدعو لمقاطعة الانتخابات، فالتزام الجميع، عدا قائمة واحدة، قادها حنني -الذي شغل منصب رئيس البلدية لفترات عدة في السابق-، وتلقائيا فازت بالتزكية.
ووفق القانون، فالبلديةُ يجبُ أن يعودَ إليها ما نسبتُه 90% من عوائدِ ضريبةِ الأملاك ضمن آليةٍ محددةٍ ومعروفة.
مراسل "فلسطين الآن" زار البلدة، والتقى بممثلين عن الطرفين.
رئيس البلدية الحاج عارف حنني أوضح أن عملية التخمين لأملاك الأهالي في البلدة جرت منذ عام 2010 ولم يكن حينها عضو في مجلس البلدية، وانتهت تلك العملية خلال عام 2012، وجرى تعليق نتائج التخمين في الأماكن العامة ومن ضمنها لوحة الإعلانات في مقر المجلس البلدي.
يتابع "مع بداية العام 2014 أرسلت وزارة المالية للمجلس البلدي الذي كنت أرأسه حينها ايصالات بالقيمة المستحقة على أهالي البلدة من ضريبة الأملاك بناء على التخمين الذي جرى عام 2010، على أملاك الأهالي داخل المخطط الهيكلي للبلدة حينها".
الخلاف ليس مع البلدية
وحسب حنني، فجزء من المواطنين سدد ما عليه من التزامات، لكن الجزء الأكبر لم يولِ الملف الاهتمام المطلوب. ولكن عندما ربطت وزارة الحكم المحلي الترشح للانتخابات بالحصول على براءة الذمة، ثارت ثائرة البعض، خاصة ممن تبين أن عليهم مبالغ كبيرة، ونقلوا الخلاف من الوزارة للبلدية، وجرى ما جرى.
ويتساءل الحاج عارف "لماذا شخصن البعض الأمور؟. البلدية وأنا لا علاقة لنا بهذا القرار. فهو قرار حكومي يشمل كل الفلسطينيين، وكل من يريد أن يترشح للانتخابات في بيت فوريك، ونابلس وجنين والخليل وغيرها"..
ويشير إلى أنه طالما حذر من خروج الأمور عن السيطرة.. "التجييش المتعمد ضد البلدية وضدي سيكون له عواقب وخيمة. وعلى من يحشد ويحرض أن يتحمل المسئولية الكاملة عن أي ضرر يلحق بالبلد والبلدية.. فهذا الخلاف يهدد السلم الأهلي ويزرع الشقاق بين المواطنين والعائلات والعشائر".
ويختم "نرفض أسلوبَ التحريضِ الذي ينتهجُهُ البعضُ للإساءةِ للبلديةِ وتقزيمِ إنجازاتها". معربا عن استعداده للبحث في أية مقترحات تسهم في الخروج من الأزمة.
رفض التخمين القائمة
لكن المتابع للخلاف لا يمكنه أن ينكر أن الغالبية ضد براءة الذمة ودفع ضريبة الأملاك، وأيضا هناك رفض للقائمة المنفردة التي ترشحت وتلقائيا اعتبرت فائزة في الانتخابات.
وتشهد البلدة بشكل مستمر فعاليات احتجاجية ضد القرار، أحدثها قبل يومين، حيث أدى العشرات من المواطنين صلاة التراويح أمام مقر البلدية بدعوة من القوى والعائلات في البلدة، ونظموا عقبها اعتصاما في المكان، وأغلقوا الطريق بالإطارات المطاطية، ورددوا هتافات تطالب المجلس البلدي بالرحيل، في حين وصلت قوة من الأجهزة الأمنية للبلدة وعملت على تفريق الاعتصام بالقوة.
ويعد مسئول جبهة التحرير العربية في بيت فوريك -ثائر حنني- أبرز القائمين على الفعاليات الرافضة للضريبة والقائمة معا، مؤكدا أن "البلدية لم تتبع اللوائح القانونية بإبلاغ المواطنين بحقيقة الأمر عندما تم جلب مخمنين من البلدية وضريبة الأملاك لتخمين أملاك الأهالي القرية، وبهذا تكون عملية التخمين خاطئة وغير سليمة، إذ وصلت قيمة المبالغ المتراكمة على بعض الأسر في القرية آلاف الدنانير، أضف إليها غرامات تأخير، مما أثار سخطا واسعا في البلدة".
ويؤكد حنني أن بيت فوريك ليست ضد الحكومة ولا قراراتها، وليست ضد مبدأ الضريبة، لكنها ترفض طريقة تعامل البلدية مع الملف منذ بدايته، مؤكدا هو الآخر على دعوته للحوار السلمي، رافضا أي إساءة لشخوص المجلس والأملاك العامة.
لكنه أبدى موقفا متشددا حيال المجلس البلدي الجديد الذي فاز بالتزكية، قائلا: "تفاجئنا بعد إعلان مقاطعة الانتخابات أن الحاج عارف سجل قائمة خاصة به وبأقاربه، وفاز بالتزكية، ونحن نؤكد أنها لا تمثل بيت فوريك".
ولا زالت الأزمة تراوح مكانها .. وسط دعوات للجهات كافة لتحكيم العقل والجلوس على طاولة واحدة لحل الخلاف قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.