في منطقةٍ مرتفعةٍ من قريةِ قصرة جنوبيَ نابلس، شُيدَ خزانُ مائيُ ضخم بسعة 3 آلاف متر مكعب، ليكونَ نقطةً لتوزيعِ الماءِ على تجمعِ قرى يعرف بـ"المشاريق".. لكنهُ فارغٌ تماماً منذُ أيام.
فقد أوقفت شركةُ المياهِ الإسرائيليةُ "ميكروت" تغذيتَه بالماء، بحجةِ أن هناكَ تعدياتٍ على خطوطِ المياهِ تحولُ دون وصولِها بالكميةِ اللازمةِ لمستوطنةِ "مجدوليم" القريبة.
يقول مدير مجلس الخدمات المشترك لقرى جنوب شرق نابلس مصطفى دوابشة: "إن الضرر المترتب على قرار الاحتلال قطع المياه لحق بنحو أربعين ألف مواطن في بلدات وقرى: قصرة وقريوت وجالود وجوريش وعقربا وتلفيت وقبلان وصولا لبلدة بيتا".
ويستدرك في حديثه لـ"فلسطين الآن" إن المبرر الذي ساقه الاحتلال هو وجود تعديات على الخط الناقل الذي يخرج من مستوطنة "شيلو"، ويمر عبر أراضي الفلسطينيين في قصرة وجالود وقريوت، وينتهي في مستوطنة "مجدوليم"، وبالتالي فإن المياه تصل في حدها الأدنى لتلك المستوطنة.
ويقف صامتا قليلا وهو يشير لمستوطنة "مجدوليم" قائلا: "هناك خمس أو ست عائلات فقط تقطن فيها.. يعني بأحسن الأحوال خمسين مستوطنا.. ومن أجلهم يعيش 13 تجمعا سكنيا فلسطينيا في العطش، أين نحن من هذا العالم الذي يدعي الحرية!!".
ويتابع "المستوطنة أصلا غير شرعية، والمياه التي تصلنا يستخرجونها من أرضنا ويسرقونها ويتمتعون بها، أما نحن فتصلنا بعد جهد جهيد وتنسيق يستمر لأشهر بل لسنوات، وبكميات قليلة جدا".
قطع دون إنذار
القصة كما يرويها دوابشة بدأت عندما توصلت سلطة المياه الفلسطينية مع نظيرتها الإسرائيلية لإمداد تجمع المشاريق بخط مياه "8 إنش"، ليأتي مساندا للخط الذي يصلها من بئر روجيب الفلسطيني.. ويصب الخطان في الخزان الذي شيد حديثا في بلدة قصرة، ومنها تنتقل المياه وتتوزع على المناطق الأخرى.
لم تكد الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ في الأول من حزيران الجاري، حتى أغلق الاحتلال محابس المياه بعد ذلك بثلاثة أيام فقط، دون سابق إنذار.. وبعدها بثلاثة أيام يتم إبلاغ الجانب الفلسطيني أن قطع المياه سببه التعديات الفلسطينية على خط المياه الناقل، والطلب من السلطة وقف تلك التجاوزات.
رئيس بلدية عقربا غالب ميادمة يقول لـ"فلسطين الآن" متعجبا مما يجري: "لن تصعدَ المياهُ للخزان، ولن تشربَ القرى الفلسطينيةُ طالما هناك مخاوفُ من نقصِ الماءِ عن المستوطنين.. فالمضحكُ المبكي أن تلك المناطقَ كغيرِها في الضفةِ الغربية، تطفو فوقَ بحرٍ من المياه، لكننا ممنوعون من استخراجِها".
يتابع "هذه الإشكاليةُ تنذرُ بموسمٍ صيفيٍ حارٍ جداً مرتبطٍ بأزمةِ مياهٍ خانقة، ستلقي بكاهلِها على عاتقِ أكثرَ من مليوني نسمةٍ في الضفةِ المحتلة.. وها قد هلت بشائرها بما يجري في قرى المشاريق".
ويشير إلى أن الأمر صعب للغاية، خاصة في ظل شهر رمضان، وارتفاع كبير في درجات الحرارة.. مما يعني أن استخدام المياه يزداد بشكل ملحوظ.
ما يزيد من صعوبة الأمر أن كمية المياه الواصلة من بئر روجيب لا تفي أبدا بالغرض. يقول: "البئر على أطراف نابلس الجنوبية.. ومدينة نابلس وبلدات وقرى روجيب وكفر قليل وبيت فوريك وعورتا وبورين وبيتا، تأخذ حصصها منه.. فماذا يبقى لنا!!".
البئر يبعد أكثر من 15 كيلومترا عن قصرة وعقربا، لذا فضخ المياه ضعيف.. ولا يصل من الحصة المتعارف عليها أكثر من 35% فقط.. "ومن أجل هذا لا بد أن تتدخل سلطة المياه لحل هذه الإشكالية قبل أن تتفاقم".
مبالغ مالية
أما جمال يونس من بلدة قصرة فيقول: "لدي في البيت 15 نفرا.. ومنذ الثلاثاء الماضي لا يوجد نقطة مياه عندنا.. ماذا أفعل؟؟".
ويتابع "فشلت كل المساعي في إيصال الماء لبيتي وبقية منازل البلدة.. فاضطررت لشراء صهريج مياه 10 كوب من منطقة قريبة من قرى غرب رام الله.. وبلغته تكلفته 600 شيكل، أي أكثر من عشرين ضعف سعره الأصلي".
ويقول: "الاحتلال يكرم المستوطنين ويجعلهم يعيشون في رفاهية على حسابنا.. يتركنا عطشى من أجل أن يلهو المستوطنون في برك السباحة فوق أراضينا المصادرة عنوة".
ويفند كل من تحدثنا إليهم الادعاءات الإسرائيلية بالاعتداء على خطوط المياه. مؤكدين أن الاحتلال يتابع كل كبيرة وصغيرة تجري في المحيط، ولو كان هناك أي اعتداء لأوقفه فورا.