رائحة كريهة جدا تلك التي تزكم أنوف الركاب خلال مرور السيارة على الطريق الرابط بين نابلس وقرية ومنتجع وادي الباذان شمالا.. بسبب وجود محطة ترحيل للنفايات، تُعرف بـ"محطة الصيرفي"، وعلى بُعد عشرات الأمتار منها، يوجد مكب مخصص لمواد الردم من الحجارة والأتربة وغيرها.
المشكلة بالدرجة الأساسية تتعلق بالمكب المخصص للردم، إذ تدخله شاحنات لتفرغ فيه ما تحمله من نفايات بلاستيكية وإسفنجية وإطارات مطاطية، وهو أمر مخالف للقانون، كما يلقى به المواطنون الحيوانات النافقة والسيارات التالفة أو المحترقة.
لكن ما فاقم من المعاناة هناك، قيام مجهولين على مدار الأسابيع الماضية بإشعال النار في تلك الحاويات والاطارات، ما ينتج عنه أدخنة سامة تغطي سماء المنطقة، وتصل للأحياء السكنية والقرى المجاورة، ويتحول المكان برمته لمكرهة صحية ونتج عنه مشكلة بيئية كبيرة.
هذا الأمر دفع بسكان منطقة المساكن الشعبية التابعة لنابلس، والأهالي في قرى الباذان وطلوزة وعزموط وغيرها، للاحتجاج وتنظيم ومسيرات ووقفات غاضبة للمطالبة بإغلاق المكب، إضافة لمطالباتهم بتشديد الشروط على عمل محطة الترحيل أيضا.
وبدأت بلدية نابلس باستخدام مكب ونقطة تجمع النفايات الصيرفي عام 2001، لتجميع النفايات تمهيدا لترحيلها للمكب الرئيسي "زهرة الفنجان" قرب جنين؛ وبعد سنوات جرى توفير قطعة أرض قريبة منها، خصصت لردم الحجارة ومواد البناء، ومع الوقت بدأت تدخلها حاويات النفايات وتفرغ حمولتها بها.
مراسل "فلسطين الآن" زار الموقع، وعاين عن قرب الحالة المزرية الموجودة هناك، والخطر المحقق الذي يلحق بالإنسان والبيئة، وتحدث مع المتابعين للملف.. في محاولة للإجابة عن السؤال الهام، كيف تدخل تلك النفايات لموقع الردم؟ ومن الذي يقوم بإحراق النفايات!!.
مخاطر صحية وبيئية
رئيس مجلس قروي الباذان عماد صلاحات، كان غاضبا جدا لما لحق بقريتهم من أذى جراء الممارسات غير القانونية التي تحدث في المكب. يقول "كثيرا ما غطت غيمة سوداء مصحوبة بأدخنة سامة سماء قريتنا.. ألحقت بالمواطنين أمراض السرطان والربو والأمراض الجلدية الناتجة.. نحن نموت بشكل بطيء، والكل ينظر ويرى ولا يفعل شيء".
يتابع "إضافة للخطر الصحي والبيئي، فتراكم النفايات وحرقها يترك أثرا بالغا على المياه الجوفية في الباذان التي تعد أهم مخزون للمياه العذبة في محافظة نابلس.. مؤخرا أصبحت الأمور كارثية، نتيجة تراكم النفايات في نقطة الترحيل والتأخر في نقلها إلى مكب زهرة الفنجان في جنين، الأمر الذي ينتج عنه روائح ومكرهة صحية، إضافة الى أنه في محيط نقطة الترحيل أصبح استخدام مكب الردم لدفن وحرق هذه النفايات يشكل خطورة تحديدا الحرق المتكرر... ومن هنا جاءت الدعوات لإغلاق المكان كليا، ولن نتنازل عن هذا المطلب".
ويرى صلاحات أن المسئولين الذين تعهدوا بحل الخلافات لم يفعلوا شيء ملموس حتى اليوم.. عقدنا اجتماعات مع محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب ومدير شرطة نابلس العقيد طارق الحاج ورئيس بلدية نابلس عدلي يعيش، وكانت الوعودات بوقف عمليات الحرق بالكامل ومحاسبة كل من يخالف حتى لو كانت البلدية ذاتها وتحسين العمل في نقطة الترحيل لحين ايجاد بديل لها ، إلا أن ما يحدث على الأرض يشير للعكس تماما"..
موقف الأهالي
أما منسق اللجنة الأهلية للمنطقة الشرقية من مدينة نابلس، عامر الدجني فقال إن "الأهالي وافقوا على وجود نقطة ترحيل للنفايات كوضع مؤقت بسبب إغلاق الطرق عام 2001 وعدم وجود حلول بديلة، ولكنها تحولت لأمر واقع لا تبذل البلدية أي جهد لتغيره".
وبيّن أن أهالي المنطقة الشرقية والقرى المحيطة بها يطالبون بإزالة المكب منذ سنوات إلا أن مطالبهم لم تجد صدى حتى اليوم.
وأضاف "أقيم بالقرب من مكب الصيرفي مكب آخر وجد أصلاً لدفن مخلفات المسلخ، ولكن بعد ذلك تم استخدامه لدفن العديد من المخلفات الخطيرة والمضرة بصحة المواطنين وبالبيئة المحيطة، مثل النفايات الطبية والمواد البلاستيكية، وإضافة لذلك يتم حرق النفايات في المنطقة، ما أثر على صحة السكان المحيطين وجمال المنطقة وبيئتها".
من جهته أشار الدكتور جواد البيطار مسؤول ملف البيئة في اللجنة الأهلية، إلى أن تأثيرات وجود المكبات وحرق النفايات في المنطقة خطيرة للغاية على البيئة، فالهواء في المنطقة ملوث لدرجة كبيرة، وهذا يؤثر بشكل كبير على بيئة منطقة الباذان التي تعتبر من أجمل المناطق الريفية التي يقصدها المستجمون ويؤثر بشكل ملحوظ على المتنزهات فيها.
ونوه إلى أن الخطر البيئي يتجاوز الهواء والتربة ويصل إلى باطن الأرض حيث يؤثر بشكل كبير على المياه الجوفية ويعمل على تلويثها، وخاصة المياه الجوفية في منطقة الباذان.
مطالب شعبية
وعجت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بسكان قرية الباذان بمقاطع الفيديو والصور التي ترصد الأضرار التي لحقت بهم.
إضافة لنشرهم المطالب التي يريدونها خلال الحراك الشعبي الذي يقومون به.
يقول الناشط أنس صلاحات إن "ما يجري هو جريمة بكل ما تعني الكلمة من بلدية نابلس بحق المحافظة ككل ومناطقنا الشمالية بشكل خاص، فقد اعتمدت البلدية منذ سنوات أحد المداخل الرئيسية للمدينة عنوانا للنفايات، وهو ما به إساءة لكافة مكونات هذه المحافظة".
ويتابع "هذا المكب أصبح عنوانا للجميع لكب النفايات سواء للبلدية أو للمصانع أو للأفراد.. الأخطر أن هناك سيارات نفايات إسرائيلية تستعمل هذا المكب لدفن ما لا نعلمه وعلى الأرجح لدفن المواد السامة والكيماوية".
ويشير إلى أنه إذا لم تحل الأزمة بالطرق السليمة سيحل بالطرق الأخرى، "وهو موجه ضد سياسات بلدية نابلس وليس ضد شخوص بعينهم.. وسيكون موجه ضد أي شخص أو مصانع أو شركات أو أفراد يستخدمون هذه المنطقة لكب النفايات أو دفنها أو حرقها".
ويرى محمد فارس من سكان شمال نابلس أن المطلوب وقف تصدير النفايات هناك، وتحديد موعد وآلية لإزالة الأضرار والاستعداد للتعويضات عن كافة المخاسر المادية والصحية والمعنوية لأي متضرر.
ويضيف "بالنهاية سيتم إغلاق هذا المكب وبشكل نهائي وسيتم إزالة كافة المخلفات من هذه المنطقة، وستزرع الزهور والأشجار كمنظر لائق لمن يدخل نابلس ومحافظتها، وسيكون هذا المكب من الماضي وسيغلق عاجلاً وليس آجلاً".
حلول عملية
أما رئيس بلدية نابلس عدلي يعيش، فقد أكد أن البلدية بدأت العمل من أجل حل الإشكالية، وما تسببه من روائح ومكرهة صحية، من خلال العمل المتواصل من أجل ترحيل النفايات وايجاد حلول ومناطق بديلة عن النقطة الحالية.
وقال إن المشكلة الرئيسية تكمن في مكب الردم، النقطة الأخرى، حيث يتم حرق النفايات فيها بطريقة غير منتظمة من البعض "وهو ما يشكل كارثة حقيقية، لما ينتج عنها، وكان هناك احتجاجات من أهالي الباذان ولهم الحق في ذلك، ولكن نحن نريد التعاون مع بعضنا البعض من أجل حل هذه الخلاف".
وشدد يعيش أن البلدية قررت اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل من يخالف التعليمات ورمي النفايات وحرقها، من أجل ضبط الموضوع،
وأوضح أنه اجتمع مع محافظ نابلس ومدير الشرطة عدة مرات من أجل هذا الموضوع، مثمنا قرار المحافظ بتحريك دوريات واعتقال أي شخص يقوم بإشعال الاطارات في مكب النفايات.
وتصدر مدينة نابلس وبعض القرى المجاورة ما يقارب 250 طنا من النفايات يوميا، وتزداد الكمية خلال المواسم والأعياد.