24.99°القدس
24.56°رام الله
23.86°الخليل
25.38°غزة
24.99° القدس
رام الله24.56°
الخليل23.86°
غزة25.38°
السبت 05 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.39دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.82دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.39
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.82

السلام الإقليمي وأزمة القرن

حازم عياد
حازم عياد
حازم عياد

تارة يسمى السلام الاقليمي، وتارة اخرى يطلق عليه مسمى صفقة القرن؛ وفي كلا الحالتين فإنه يحمل عناوين كبيرة لمشاريع مأزومة وفاقدة الافق.

يصعب فهم تعقيدات المشهد المرتبط بهذه العناوين وابعادها دون الاستعانة بأدوات معقدة في التحليل السياسي، على رأسها المصفوفات، واجهزة الحاسوب التي توضح اوزان الازمات التي تعانيها القوى الاقليمية والدولية المنخرطة في صراعات المنطقة العربية، وما يتولد عنها من افاق ومفارقات؛ فالمصفوفة تكفي عن ازمة القرن الواحد والعشرين لا عن صفقة القرن.

إيران والسعودية وتركيا ومصر وروسيا وامريكا تواجه ازمات متعددة ومتشعبة وممتدة جغرافيا، وتملك آفاقا سياسية متباينة ومتعارضة؛ فوفقا للمصفوفة المتخيلة نجد مصر تعاني من ازمات متعددة، وأفقا شبه معدوم؛ فالافق المتخيل الوحيد لها يكمن بتخليق ازمة جديدة من خلال التورط في ليبيا، او من خلال الانخراط بالسلام الاقليمي الذي سيسهم في تراجع دورها لحساب الكيان الاسرائيلي؛ باستغنائه عن دورها في ضبط ايقاع المعادلة الفلسطينية.

أفق محدود وضيق يشددا لخناق على مصر يعبر عنه بين الحين والآخر بصفقة القرن التي تمثل امتدادا للأفق الضيق المتبقي لإدارة ترمب المأزومة داخليا وخارجيا في الاقليم، وفي اوروبا وجنوب شرق اسيا؛ ما يجعل من الصراع العربي الصهيوني الامل الاخير لإدارة ترمب للترويج للأحلام والأوهام التي ستكرس نفوذ الكيان الاسرائيلي اقليميا في محاولة اخيرة لتوظيف الحرب على الارهاب وتحالفاته الهشة.

في المقابل، فإن السعودية لا تقف بعيدا عن الولايات المتحدة الامريكية ومصر؛ إذ تعاني العديد من الازمات من اليمن الى سوريا والعراق، وليس انتهاء بالازمة الخليجية التي اضافت عبئا جديد عليها، فهي الدولة الاكثر انفتاحا على الازمات، مضيقة بذلك الافق السياسي الى حدود غير مسبوقة؛ جاعلة من صفقة القرن المزعومة مأزقا جديدا لن يختلف كثيرا عن الازمة اليمنية او الازمة الخليجية والتمدد الايراني، لتضيف مزيدا من الاعباء والتناقضات لا اكثر ولا اقل.

المصفوفة تشمل تركيا التي تملك افقا اوسع، وازمات اقل في العراق وسوريا، وفي الملف الكردي وملف العلاقات مع الولايات المتحدة واوروبا. في المقابل ولأجل المفارقة فإن جوارها للعراق وسوريا وايران يفتح آفاقا واسعة لتعزيز نفوذها باستثمار حالة التصارع القائمة لتوسيع نشاطها وتحالفاتها السياسية؛ فالازمة الخليجية فتحت الباب واسعا للعمل وتعزيز النفوذ والمكانة الاقليمية، وفتحت آفاقا جديدة لم تكن بالحسبان لتركيا.

تقف ايران وروسيا في اعلى سلم المصفوفة من حيث الافاق المتوقعة مقابل الازمات؛ فروسيا رغم انها تعاني من ازمات عديدة تمتد من اوكرانيا وغرب اوروبا، الا ان هناك أفقا سياسيا واسعا بتأثير من الازمة السورية والخليجية، وتنامي النفوذ الايراني، والتماس المباشر مع العراق والكيان الاسرائيلي من خلال سوريا، أما ايران فتعد الرابح الاكبر؛ إذ تمكنت من تحويل الازمات الى فضاءات وآفاق واسعة للعمل، تمتد من العراق الى سوريا فاليمن الى الاتفاق النووي وتفاعلاته.

نجاحات وآفاق عززتها مؤخرا الازمة الخليجية لتوسع الافق السياسي لطهران، الا انها تعاني من تضاعف الضغوط الناشئة عن نجاحها، وزيادة النزعة الامريكية الاسرائيلية لاستهدافها، فاتحة المجال لكل من تركيا وروسيا للاستفادة من فضاء التصارع الناشئ عن النجاحات الايرانية، والانفتاح السعودي على الازمات.

فالتفاعل بإيجابية مع التوازنات المتخلقة عن الازمات ما زال من نصيب تركيا وايران وروسيا التي باتت تتغذى من ضجيج صفقة القرن، لشرعنة مشاريعها السياسية باعتبارها مضادا حيويا للهيمنة الصهيونية في المنطقة العربية.

من الصعب تشخيص الموقف المتعلق بالحديث عن صفقة القرن في ظل هذه المصفوفة؛ باعتبارها نقطة التحول المركزية اذا تظهر كأفق وحيد منعزل وضيق تبقى لإدارة ترمب، تسير في ظله عدد من الدول العربية، ويوظفه الكيان الإسرائيلي لتنشيط جهود التطبيع، والضغط على الدول العربية المتحالفة مع الادارة الامريكية.

فصفقة القرن ما هي إلا مشروع تطبيع واسع مع الكيان الاسرائيلي، يتجاوز الحقوق الفلسطينية وثوابت الشعب الفلسطيني، طارحا مشاريع وتصورات تأخذ طابعا اقرب الى الخيال؛ فالصفقة لن تغير شيئا من واقع الصراع العربي الصهيوني، ومن الممكن ان تغير شكله ومقولاته في احسن الاحوال ليستمر الصراع، فاتحا الباب لسيناريوهات جديدة وخطيرة تزيد الاقليم اضطرابا في ظل الفاعلية الايرانية والروسية والتركية والفلسطينية المقاومة، فاتحا الباب لآفاق جديدة وتحالفات واسعة تتغذى على هذا الضجيج والمشروع البائس.

فالمصفوفة تكشف حقيقة بسيطة بأن صفقة القرن تقف قزما صغيرا امام المشاريع المتعملقة، والازمة المزمنة للقرن الواحد والعشرين، والمتمثلة بالحالة الانتقالية للنظام الاقليمي والدولي الذي تسعى الولايات المتحدة لتكريسه؛ من خلال استهلاك رصيدها السياسي والاستراتيجي في المنطقة، رغم الممانعة المتعاظمة للقوى الاقليمية والدولية الراغبة في التغيير، والرافضة الواقع القائم، جاعلة من الحديث عن الصفقة مجرد ضجيج وغبار لمعركة اكبر واوسع في الاقليم.