28.34°القدس
28.21°رام الله
29.97°الخليل
31.49°غزة
28.34° القدس
رام الله28.21°
الخليل29.97°
غزة31.49°
الأحد 28 يوليو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.98يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.08
يورو3.98
دولار أمريكي3.66

كانت ملاذا للنفوس المتعبة

5
5
محمد مجيد الدليمي

على الرغم من تعرض الشعب العربي تاريخيا الى ظلم وتسلط واستبداد, اكسبته صلابة واصرارا على الاحتمال والصبر والمواصلة وبعث فيه رغبة الثأر والتمرد على واقعه المريض ,لكن لما كان هذا الشعب المظلوم احيانا عاجزا عن الرد والمواجهة المباشرة على المستبدين الظالمين المتسلطين عليه والذين سعوا دائما على تجريده من قدراته وامكانياته في الرد لظروف تفوق قدرته ,  فقد لجأ الى اساليب فعالة وموثرة في مواجهة الظلم اهمها النكتة اللاذعة والفكاهة والنقد الساخر في حكايات ونوادر ساخرة , عبر فيها عن سخطه وغضبه وسخر من مستغليه وفضح ظلمهم واستبدادهم وطغيانهم، وبهذا نفس  عن احساسه بالضيق والتبرم ,مثلما قال فولتير (ولو لم يبق لنا ضحكاتنا لشنق الناس انفسهم ).وتراثنا العربي يزخر بالحكايات الساخرة والناقدة , الرافضة للواقع الفاسد والتمرد واعلان السخط عليه من خلال النكتة اللاذعة والفكاهة الساخرة لظواهر الفساد والجور .

ومن هذه الحكايات نوادر جحا الشهيرة التي كانت تعكس دائما عصور الظلم وفترات البؤس والفساد وتطلعات الشعب العربي الى واقع افضل . كما تكشف مفاسد الحكام الطغاة والقضاة المرتشين وتشخص ظاهرة غياب القانون واضطراب العدالة.

وفي نادرة جحوية ساخرة تعالج ظاهرة شيوع الرشوة بين القضاة ومفادها ان احد الاغنياء قال لجحا اذا بصقت على وجه فلان وهو عدو لي فلك كيس من الدراهم, فوافق جحا على ذلك وذهب الى الرجل وبصق على وجهه ,فذهب الى القاضي ولما سأله عن سبب بصقه في وجه الرجل؟

اجاب جحا قائلا :ان لدي فرمانا يخولني الحق في ذلك .فتعجب القاضي من ذلك وقال له :ارني (الفرمان )فدفع جحا الى القاضي كيسا وفيه نصف المبلغ الذي اخذه من صاحبه الغني وما ان اخذ القاضي الدراهم حتى ولى وجهه الى المشتكي وقال  له حقا لقد ابرز خصمك (فرمانا )يخوله الحق في ان يبصق على وجهك وعلى وجوه الناس بل على وجهي كذلك.

هكذا تكون هذه النادرة الجحوية صورة ساخرة وناقدة لحال فساد القضاء واختلال العدالة ... يقول الباحث المعروف الدكتور عامر حسن فياض في مقال له بعنوان (الماثور القضائي والسياسي في نوادر جحا ) ان النادرة الجحوية تؤكد ان تحقيق العدالة وسيادة القانون في مجتمع ما رهن بطبيعة النظام السياسي ونزاهة القائمين عليه فاذا كان مع عصور الاستبداد كان القانون بالضرورة في اجازة وكانت كلمة المستبد هي القانون وكانت المصلحة الفردية فوق المصلحة العامة التي تستقيم بها حياتهم ومجتمعهم وتصبح حياتهم جحيما لايطاق.

وعليه وفي ضوء ما تقدم تبقى الحكايات والنوادر الساخرة المعبرة خير ملاذ تسكن اليها النفوس المتعبة والمعذبه التي تعاني من الواقع المرير كلما اشتد الجور والظلم للتنفيس عن همومها ومعاناتها.