18.32°القدس
18°رام الله
17.19°الخليل
23.59°غزة
18.32° القدس
رام الله18°
الخليل17.19°
غزة23.59°
السبت 05 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.39دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.82دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.39
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.82

وعد بلفور وقانون الغرباء

حازم عياد
حازم عياد
حازم عياد

لم تقر فرنسا بالوصاية البريطانية على فلسطين الا بعد ان قدمت بريطانيا تعهدات بدعم فرنسا على ترسيم حدودها مع المانيا في اعقاب الحرب العالمية الاولى؛ ففرنسا كانت شبه منهزمة ومنهكة من الحرب التي دارت رحاها على اراضيها الاولى.

لم تبادر فرنسا الفرنكفونية لدعم وعد بلفور والسياسة البريطانية في المشرق كشريك بل تابع للسياسة البريطانية التي كانت لها اليد العليا؛ ففرنسا كانت تملك تصوراتها الخاصة لكنها كانت منهكة من الحرب وعاجزة عن تنفيذها بدون الاستعانة ببريطانيا؛ فتقديم تعهد مماثل لوعد بلفور جاء بعد ان تمكنت بريطانيا من المبادرة للاستفادة من اموال روتشلد وعائلته وتوظيف الحركة الصهيونية الناشئة لخدمة اهدافها الاستعمارية الانجلوسكسونية بعيدة المدى في المشرق العربي؛ في حين ان فرنسا الفرنكفونية لم تكن ترى في اليهود الا مواطنين مندمجين في دولتها وليسوا قومية منفصلة عن نسيجها الداخلي على عكس الحالة في بريطانيا.

فوعد بلفور جاء حصيلة الرؤية الانجلوسكسونية للعالم والذات؛ اذ انخرط وزير الخارجية البريطاني بلفور في ازمة اللجوء والهجرة اليهودية من شرق اوروبا الى بريطانيا اثناء رئاسته للوزراء العام 1903؛ مقدما قانون الغرباء وساعيا لتمريره في مجلس العموم البريطاني في العام 1905 بهدف وقف هجرة اليهود الى بريطانيا ومعالجة مشكلة اندماجهم كأقلية في المجتمع بإعادة توجيه هذه الهجرة الى مكان آخر، لدرجة استعانة اللجنة المكلفة بمناقشة قانون بلفور «قانون الغرباء» في العام 1905 بالزعيم الصهيوني «وايزمان» للبحث في الحلول الممكنة التي كان على رأسها نقل اليهود الى فلسطين وبدون رغبة غالبيتهم التي لم تتبن الفكر الصهيوني وكانت تفضل الاندماج في القارة الاوروبية وبريطانيا؛ فالحركة الصهيونية كانت وليدة وضعيفة ولا تحظى بدعم العديد من الحاخامات والزعامات اليهودية والمثقفين حينها؛ وبذلك تكون بريطانيا الدولة التي قدمت دفعة قوية للحركة الصهيونية الوليدة وعظمت من تأثيرها على حساب مشروع الاندماج الذي طرحة العديد من المثقفين اليهود في القارة الاوروبية وامريكا.

مشروع تهجير اليهود واعادة توجيه هجرتهم من شرق اوروبا مشروع بريطاني قديم بدأ في مرحلة مبكرة في العام 1840، عندما وجهت الخارجية البريطانية طلبا لروتشلد المؤسس لدعم انشاء مستوطنات لليهود في ذلك العام على امل توجيه هجرتهم الى منطقة لديها فيها اطماع استعمارية متجنبة بذلك اشكالية الوصاية والتنافس مع القوى الاستعمارية التي تحمل نفس الاهداف كروسيا وفرنسا وايطاليا وغيرها بالاستعانة بقوى محايدة لا تنتمي الى الغرب المسيحي المتصارع على الاماكن الدينية المقدسة بتأسيسها لجالية يهودية ترعاها في فلسطين وتتعاون معها بعيدا عن الصراعات المذهبية التقليدية في اوروبا، وذلك قبل انشاء الحركة الصهيونية وتطورها؛ اي ان المشروع البريطاني سابق لنشأة وتبلور الفكر الصهيوني المعاصر، ضاربة بذلك عصفورين بحجر واحد ليبلغ تعدادها هذه المستوطنات خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر 30 مستوطنة.

الادلة على التوجهات الاقصائية التي قادت الى وعد بلفور والتفضيلات البريطانية لفلسطين على ما سواها كثيرة؛ اذ كان الهدف التخلص من المهاجرين اليهود بأي ثمن لدرجة انه طرح وفي مراحل مبكرة واثناء مناقشة تصاعد الهجرة اليهودية من اوروبا الشرقية نقل المهاجرين الى اوغندا او الى جنوب افريقيا او الى سيناء وهي مناطق كانت تخضع للاستعمار البريطاني، فالاولوية قبل الحرب العالمية الاولى كانت التخلص من هؤلاء المهاجرين بغض النظر عن وجهتهم.

بريطانيا بعيد قانون الغرباء 1905 وعلى رأسها بلفور كان معنيا بتسريع الجهود لمواجهة الهجرة اليهودية لينصب الاهتمام على التخلص من المهاجرين في المراحل السابقة للحرب العالمية الاولى؛ تطور فيما بعد بتسارع كبير بإلحاقهم بالنشاط الاستعماري ومشروع السيطرة الجيوسياسية على المشرق العربي بعيد الحرب العالمية الاولى.

وعد بلفور لم يكن وليد اللحظة بل وليد السياسية الاستعمارية للدوائر الاستشراقية الانجلوسكسونية التي كانت تميل لنزعة التفوق ورفض السياسات الاندماجية لليهود، وهنا تكمن اشكالية التعامل مع بلفور الذي تجاهل حقوق العرب الفلسطينيين والعرب والمسلمين في ارض فلسطين، مؤسساً لصراع تقوده قوى متطرفة متصهينة ذات نزعة استعمارية فوقيه شوفينية بذلت جهدا كبيرا وبدعم بريطاني لطمس كل المحاولات اليهودية الجادة للاعتراض على هذا المشروع المدمر الذي لم يختلف عن مشروع قانون الغرباء الذي حد من قدرة اليهود على الاندماج والهجرة الى بريطانيا وسائر انحاء اوروبا؛ شوفينية تبدو ناعمة قياسا بغيرها التي تطورت في القارة الاوروبية في حينها.

يدفع الفلسطينيون والمنطقة العربية ثمن السياسات الاستعمارية لبريطانيا بتأسيس كيان عنصري استعماري بات يمتلك اسلحة دمار شامل نووية، ويمارس القتل الممنهج يوميا على الاراضي الفلسطينية ويثير الصراعات والازمات بين الحين والآخر، بل يوتر العلاقة بين العالم الاسلامي مع العالم الغربي امر يحتاج الى اعتذار واعتراف بريطاني بهذه الخطيئة الكبرى وتصحيحها بتفكيك هذا الكيان المشوه على ارض فلسطين؛ فلا يوجد شيء يستحق التفاخر به؛ فالاحتفاء والتفاخر بوعد بلفور يعني تفاخرا واحتفاء ايضا بقانون الغرباء الذي طرحه بلفور في العام 1905 وعكس عقلية شوفينية؛ فهو نتاج عقلية اقصائية وموروث يمثل عبئا على الثقافة والسياسة الانجلوسكسونية حاله كحال وعد بلفور اذ عالج بلفور الاقصاء بمزيد من الاقصاء وبصراع اخذ ابعادا حضارية خطرة عكرت وهددت السلام والتعايش بين الحضارات والثقافات الكبرى.