قبل أن نلوم قائد شرطة دبى على ما صدر عنه، ينبغى أن نتوجه باللوم إلى الذين أهانوا مصر وصغَّروها حتى اجترأ عليها من لا يعرفون قيمتها وقدرها، أدرى أن لنا عليه حق العتاب، لكننا مطالبون بأمرين أولهما أن نعطى الكلام حجمه بغير مبالغة، وثانيهما أن نفكر جيدا فى تفسير التداعيات التى أوصلت الأمور إلی ما وصلت إليه. ما صدر عن الرجل اللواء ضاحى خلفان، كان رأيا أبداه عبر حسابه الشخصى على تويتر، وبدا فيه أنه لم يكن سعيدا بفوز الدكتور محمد مرسى الذى اعتبره تراجعا لمصر، حيث لم يعجبه أن ينتخب عضو فى الإخوان المسلمين لرئاسة مصر، وذهب إلى أن الثورة المصرية تمت بمساندة إيرانية، وأن فوز الدكتور مرسى مقدمة لدخول المنطقة العربية فى سايكس ـ بيكو جديدة، وهى الاتفاقية التى جرى فيها تقسيم العالم العربى وشرذمته بعد الحرب العالمية الأولى. لكن أسوأ ما قاله إن الرئيس المصرى لن يفرش له السجاد الأحمر إذا جاء إلى الإمارات وأنه سيأتى إلى الخليج حبوا. هاجم الفريق خلفان حركة الإخوان المسلمين، وكلامه بحقهم ليس جديدا، لأنه سبق أن ردده حين انتقد الدكتور يوسف القرضاوى سحب السلطات الإماراتية للجنسية التى أعطيت لبعض العناصر الإخوانية فى ظروف سابقة، ومطالبتهم بمغادرة البلاد، وقد أيدت حركة الإخوان موقف الدكتور القرضاوى، الأمر الذى دعا الفريق خلفان لأن يفتح النار عليها ويكيل إليها العديد من الاتهامات. معركته مع الإخوان شأن خاص بالجماعة، وانتقاده لفوز الدكتور مرسى ودفاعه فى منافسه الفريق أحمد شفيق هو حر فيه، رغم أن كلامه يمكن أن يعد تدخلا غير مرحب به فى الشأن الداخلى المصرى. لكننى أفهمه وأمرره لأن رئاسة مصر تعد رئاسة لكل العرب. ومن ثم فلكل عربى فيها نصيب وحق، ناهيك عن أن الذى قيل بحق الرئيس المنتخب فى داخل مصر أضعاف ما قاله قائد شرطة دبى. لكن الذى بدا جارحا ومحزنا كان قوله إن الرئيس المصرى سيأتى إلى الخليج زاحفا ليطلب العون المادى، وهو الشق الذى استفز الرأى العام المصرى وأغضبه، وربما كان ذلك هو السبب فى إعلان الرئيس مرسى مرتين يوم السبت الماضى أن مصر لا تتدخل فى شئون أحد، وأنها ترفض مساس أى أحد بكرامتها أو كرامة رئيسها. إذا حاولنا أن نضع الكلام فى إطاره، فسنجد أن الرجل عبَّر عن انفعالاته الشخصية فى موقعه على شبكة التواصل الاجتماعى، وأنه قال كلامه اعتمادا على ما توافر لديه من معلومات، بحكم العلاقة التى تربطه بالفريق شفيق والأجهزة الأمنية المصرية، ثم إن له اشتباكا سابقا مع الإخوان الذين خرج الدكتور مرسى من عباءتهم، علما بأن الرجل كان قد اتهم فى السابق بمحاباتهم. إضافة إلى ذلك يتعين الانتباه إلى أنه ليس مسئولا سياسيا فى الإمارات، وقد قيل لى إن كلامه أحرج قيادة الدولة هناك. وأن المبعوث الإماراتى الذى أمضى يوما فى القاهرة هذا الأسبوع، تم إيفاده لتصحيح الصورة وتبديد الانطباعات السلبية التى خلفها كلام الفريق خلفان. ليس سرا أن القيادة فى دولة الإمارات كانت تربطها علاقات خاصة مع الرئيس السابق ونظامه. لذلك فإنها لم تكن سعيدة بالثورة، وربما فسَّر ذلك نزوح بعض عناصر النظام السابق إلى دبى بعد الثورة، واستضافة الدولة أخيرا لاثنين من رجال مبارك البارزين مع أفراد أسرتيهما. لكن ذلك لا ينبغى أن يثير أى حساسية أو استياء فى مصر، إلا بالقدر الذى تؤثر فيه تلك الخلفية على الجالية المصرية المقيمة فى دولة الإمارات، وهو تأثير لايزال طفيفا حتى الآن. فى ضوء هذا. فلست أجد فى مجمل الملابسات التى ذكرتها ما يمكن أن يشكل سببا كافيا لتعكير العلاقة بين البلدين، وما دامت تلك العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل لاختيار الشعب، فإن ذلك الاحترام يوفر مناخا مواتيا لاحتمال الهنَّات والأخطاء الصغيرة، التى يدخل ضمنها كلام الفريق ضاحى خلفان. ذلك أن الحفاظ على العلاقة الإيجابية بين الأشقاء العرب من موجبات الرؤية الاستراتيجية الصائبة، وحين يكون طرفا العلاقة هما دولة كبرى مثل مصر، وشقيقة صغرى مثل الإمارات فإن الحرص على إيجابية تلك العلاقة يصبح أوجب. أكثر ما يهمنى فى المشهد هو ما أصاب مصر من هوان قلَّل من شأنها، وشجع البعض على التطاول عليها. لذلك فإننى أزعم أن المشكلة الحقيقية ليست فيمن تطاول ولكنها فيمن هان أمره وتصاغر. الأمر الذى يجعل من استعادة مصر لقيمتها وقامتها أولوية عاجلة. وهذه الاستعادة لا تتم من خلال الخطب الرنانة والنفخة الكاذبة. ولكنها تتحقق بتعافى البلد سياسيا واقتصاديا وبإصراره على الاعتماد على طاقات شعبه وإبداعه الذى يغنيه عن سؤال الآخرين، مع انتهاج سياسة مستقلة تليق بوزن ذلك البلد وكبريائه وعطائه التاريخى والحضارى. ذلك أن احترام البلد لنفسه وحده الذى يفرض على الآخرين أن يبادلوه الاحترام.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.