أزمة المصالحة الفلسطينية أزمة بنيوية داخلية قبل أن تكون خارجية، الأزمة البنيوية تكمن أولاً في اختلاف المشاريع السياسية بين فتح وحماس. مشروع المفاوضات لا يلتقي بنيوياً مع مشروع المقاومة، والطرفان فشلا في إبداع حل توافقي يقوم على قواسم مشتركة تلتقي عندها الأطراف. وطبيعة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني يعقد أزمة الخلل البنيوي، ويجعل المسافة الفارقة بين الطرفين عادة بعيدة ولا تقبل عمليات التجسير الفنية، لأنه يحتضن فريقاً ويبعد الآخر، وفي الختام لا يعطي من يحتضن غير كلام معسول عن حل هو لا يملك إرادة المضي فيه. الأزمة البنيوية تكمن في اختلاف المشاريع أولاً، وتكمن في غياب إرادة التصالح والشراكة ثانياً، إذ من المفترض عند توافر الإرادة أن يتغلب أصحابها على المشاكل الفنية واللوجستية، وهنا لا يصلح الأمر أن تتوافر الإرادة عند خالد مشعل ومحمود عباس مثلاً، وتغيب عند قادة الأجهزة الأمنية في الضفة، حيث الاعتقالات متواصلة، وحيث لا تملك قواعد حماس الفرصة والحرية والاستئناف أنشطتها الدعوية والسياسية بدون ملاحقة واستدعاء. ملف الحريات هو أحد أهم ملفات المصالحة، وبدون نشر الحريات في الضفة أمام كوادر التيار الإسلامي بما يسمح بأنشطة سلمية منافسة لا يمكن لبقية الملفات أن تتقدم بشكل مناسب. الزعم بأن تحديد موعد الانتخابات يجب أن يكون قبل تشكيل الحكومة، هو زعم يعبر عن حالة الخلل البنيوي الذي أشرنا إلى وجهين منه هما غياب إرادة الشراكة، والاختلاف في المشاريع، وهذا الزعم يشبه عمل من يضعون العربة قبل الحصان، ويدعون حرصهم على تقدم المصالحة. والزعم بأن حماس تستقوي بالرئيس محمد مرسي لتغيير قواعد اللعبة هو زعم باطل يعبر عن الخلل البنيوي الذاتي أيضاً، فلقد فشلت الأطراف في إنتاج مصالحة وشراكة مقبولة من قبل في عهد مبارك وعمر سليمان، ويومها لم يكن لحماس أصدقاء في نظام الحكم في مصر. في بعض الأسر الفلسطينية التي تعاني من خلل بنيوي على المستوى الاجتماعي الداخلي تنسب عادة ما يصيبها من نتائج سلبية إلى مسألة الحسد، أو السحر، أو (العمل)، بينما لا توجد علاقة بين ما تعاني منه وبين هذه المحرمات، ولو نظرت بعمق لبنيانها الذاتي لأدركت الحقيقة والأسباب. الخلل البنيوي الفلسطيني في مسألة (المصالحة-والشراكة) ليس وليد إعلان الدوحة، بل هو وليد الأشهر الأولى من فوز حركة حماس قبل ستة أعوام. بعد الأشهر الثلاثة الأولى من تشكيل الحكومة العاشرة وعى محمود عباس لإجراء انتخابات مبكرة، لأن حركة فتح لم تستطع بنيوياً تحمل وجود حماس في الحكومة وفي التشريعي للفترة المحددة بأربع سنوات، ولما استبد الخلل البنيوي بصاحبه صنعوا ما صنعه شمشون الجبار بهدم المبنى على نفسه وعلى أعدائه، ولا أحسب أن المصالحة والشراكة الحقيقية ستتم قريباً قبل إصلاح الخلل البنيوي ذاتياً. بجرأة ومصداقية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.