منذ اليوم الأوّل الذي قرّرت فيه ثلّة من معتقلي الخليل في سجون الأجهزة الأمنية الإضراب عن الطعام رافعين شعار: الحرية أو الشهادة؛ أيقنوا وأيقنّا أن النصر سيكون حليفهم، وأن سجانهم الذي ظلّ يصرّ على احتجازهم كل تلك المدة الطويلة )قاربت عامين لبعض منهم) سيذعن لمطالبهم في نهاية المطاف! بدأت جولة الإضراب الأولى بمعتقلي الخليل الأربعة الذين كانوا نزلاء سجن أريحا، ثم نقلوا عشية إضرابهم إلى سجن بيت لحم، وهم: محمد الأطرش ومحمد أبو حديد وعثمان القواسمة ومعتصم النتشة، ومعهم أنس أبو مرخية المعتقل في سجن مخابرات رام الله، وهو أيضا من الخليل، ثم بدأت دائرة الإضراب تتسع لتشمل إسلام العاروري من رام الله وحسن الورديان من بيت لحم، قبل الإفراج عن الأخير، والتوصل لتسوية مع الأول تقضي بالإفراج عنه قريبا مقابل فك إضرابه، فيما ظلّ الخمسة الأوائل مواصلين إضرابهم، والتحق بهم فيما بعد خمسة من المعتقلين لدى مخابرات الخليل. وكعادتها، فقد مارست الأجهزة الأمنية بداية الأمر ضغوطاً كبيرة عليهم وعلى ذويهم لثنيهم عن إضرابهم، لكنها باءت بالفشل وتلاشى مفعولها أمام إصرار المضربين وذويهم، وإعلانهم المتكرر أن الشهادة أحبّ إليهم من بقاء أعمارهم رهينة للمجهول في سجون السلطة! أما ذوو المعتقلين ومعهم عدد غير قليل من المتضامنين، فكان لهم نصيب مهم في هذه الجولة، ولعلها المرة الأولى منذ خمس سنوات التي نشهد فيها حشداً ومؤازرة عائلية كبيرة للمضربين واصطفافاً واسعاً خلف مطالبهم، ترجمه حراك شعبي متصاعد بدأ باعتصام مفتوح أمام منزل المعتقل عثمان القواسمي، وتصاعد حتى وصل إلى تنظيم اعتصامين حاشدين أمام سجن المخابرات في بيت لحم، وعدة مسيرات في مدينة الخليل، ومسيرة كبيرة في مدينة رام الله، حيث جلبت هذه الأخيرة أنظار الإعلام إلى قضية المضربين عن الطعام في سجون السلطة، خصوصاً وأنهم جميعاً حاصلون على قرارات إفراج من محكمة العدل العليا، واعتقلوا بتهمة النشاط التنظيمي المناوئ للاحتلال، والذي لا يدينه أي قانون فلسطيني! الحراك المكثف والمتنوع الذي صدر عن أهالي المعتقلين والمتضامنين معهم يستحق المحاكاة في مناطق أخرى ما زالت القبضة الأمنية فيها ثقيلة ونافذة، وما زال هاجس الخوف منها مهيمناً على عقول الناس، وخصوصاً المناطق الشمالية في الضفة الغربية، لأنّ قضية من طراز الاعتقال السياسي الجائر لن ينهيها أي اتفاق سياسي، ووحده الرفض الميداني لها وتصعيد المعتقلين أنفسهم من خلال الإضراب من سيتكفل بالحدّ منها وصولاً لإنهائها بضغط من الشارع، وقد أثبتت تحركات الخليل أن حاجز الخوف قابل للانكسار والذوبان حين يتوفر المبادرون، وهو ما كان حاصلاً لدى شريحة واسعة من المشاركين في هذا الحراك، الذين كانوا مستعدين للمضي نحو خطوات أكبر من مجرد الاعتصام أمام السجون وتتمثل في إعلان إضراب مفتوح عن الطعام أمامها مع اعتصام دائم حتى يفرج عن أبنائهم. ولهذا، كان طبيعياً أن تبادر المخابرات إلى إصدار قرار بالإفراج عن 22 معتقلاً سياسياً بعد انقضاء 17 يوماً على إضراب المعتقلين، وهو ما رآه المضربون ثمرة طبيعية لتصميمهم وصمودهم ورفضهم كلّ أشكال التسوية الجزئية، وخطوة على طريق إغلاق ملف الاعتقال السياسي أو الحدّ منه وتحجيمه، تماماً كما أنه مؤشر على أن الحراك الشعبي قادر على الضغط والتأثير حين يكون واسعاً ومدروساً وحين يبادر إليه أصحاب الجرح قبل غيرهم. نستبشر خيراً ونحن نرى مؤشرات التزام بالإفراج عن المعتقلين الذين شملهم الاتفاق، لكننا سننتظر حتى يفرج عنهم جميعا، وحتى تتم الاستجابة لمطالب المعتصمين في جامعة الخليل، وحينها سيكون واجب كل وطني حرّ أن يساهم في طيّ تلك الصفحة السوداء المسماة تنسيقاً أمنياً بكل إفرازاتها، وأهمها الاعتقال السياسي!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.