في «الربيع العربي» انقسمت الجيوش الى قسمين؛ قسم قدم مصلحة الوطن والشعب، وقسم أباد الشعب ودمر الوطن لأجل الحكام وانقلب على دوره العظيم ليصبح أداة إجرامية بيد السفاحين لا يختلف عن عتاة القتلة والسوقة والمرتزقة. ورأينا مثالا آخرا مشرفا في مصر، حيث كان انحياز أغلب الجيش المصري لصالح الشعب من عوامل انتصار الثورة، والجيش المصري له تقديره في مصر واحترامه، وعدم رضى الشعب عن تدخله في شؤون الحكم ليس كراهية فيه، ولكن حصرا لدوره في مجاله الخاص، ومهمته الجليلة في حماية البلاد داخليا وخارجيا. والفارق في الحالتين هو في تكوين الجيش وتربيته العسكرية وولائه، فالجيش المربى على الولاء الأعمى للشخوص أو المال أو الطائفة سيتحرك بأوامرهم، أما الجيش الذي يتربى على المبادئ الوطنية والانتماء للشعب، فسينحاز الى صفه في جميع قضاياه العادلة، وستكون خدمته للوطن عن وعي ومبدأ، لا مجرد وظيفة يتلقى عليها راتبا وترقية ووساماً. وأن يحرز جيش بلادك تصنيفا عالميا وعربيا وإقليميا متفوقا هو مدعاة للفخر والاعتزاز، فالجيش درع الوطن وحامي أمن المواطنين واستقرارهم، وفي هذا السياق نقرأ بإيجابية تقريراً للبنتاغون عن الجيش الأردني الذي حصل على المرتبة الأولى عربيا، والثالثة إقليميا، والعشرين عالميا. فالجيش العربي والشعب الأردني معروف بتاريخه الذي قال عنه رئيس الوزراء السابق سليمان النابلسي: «لم يضرب مرة من أجل مصالحه الخاصة، ولم يقم بمظاهرة في سبيل منافعه الذاتية، ولم تنزل قطرة دم واحدة من أجل قضية محلية، فكل تضحياته قدمت في سبيل اخوانه في فلسطين وسورية، والعراق، وليبيا، والجزائر»، ولهذا ظل الأردن الحضن الواسع لأشقائه في نكباتهم، وأي تغيير عن هذا الدور ليس من شيم الأردن ولا أهله ولا جيشه. أما البشرى الأكبر في التقرير ما ورد من أن الأردن -وفق المعايير الدولية- يملك جميع نقاط ضعف «إسرائيل»، وعلى حد تعبيره إن قامت حرب بين الأردن و«إسرائيل» فإن الأردن سينتصر بالتأكيد كما انتصر في معركة الكرامة. أما شعبياً فنحن نتأمل بهذا التقرير، فمن الشهادات التي تعتز بها أجيال كثيرة من الأردنيين شهادة التدريب على الجيش الشعبي التي كانت من المتطلبات الأساسية لتقديم امتحان الثانوية العامة، وربما كنا آخر الأجيال عام 1994 الذين حظوا بكرامة وشرف التدريب العسكري، حتى وإن كان «فستق فاضي» بغير ذخيرة حية، الا أن تعاليم الانضباط العسكري وتمارينه وفك وتركيب الأسلحة والاسعافات الأولية والمحاضرات العسكرية، جعلت منسوب حب الوطن يرتفع في دمائنا حتى الفائض، وأدخلنا في حالة نفسية أفهمتنا كيف يضحي الجندي بحياته رخيصة من أجل رفعة وطنه في الحق والعدل. كانت فكرة الجيش الشعبي عظيمة في إزالة الخوف من نفوسنا تجاه النبلاء من جنود الوطن، وكانت تحملنا على المسؤولية وتجعلنا على قدم الجاهزية؛ لنسد ثغرة ولو بسيطة عند الحاجة، كانت فلسطين يومها قريبة وتحريرها قريباً، وكنا نحن المسؤولين الأوائل عنها مهما قالت الاتفاقيات والمؤتمرات، لقد قالها لنا أحد الضباط يوما: «لقد فعلها الأردن مرة ومرغ رأس الجيش الذي لا يقهر في التراب، وسيفعلها ثانية، اصبروا المسألة مجرد وقت». ذهب الجيش الشعبي وتأجل التجنيد وانفصلنا عما يربطنا بجيش بلادنا، وأصبحنا لا نرى الدرك إلا في المسيرات مدرعين مدججين مخيفين أمام الجيل الجديد، بعد أن كانوا رمزا للأمان والشجاعة والإقدام لنا! الجيش الأردني القوي ذخر لنا على اختلافاتنا، فهو ينتمي للوطن أولا، ونرجو ممن يقابلوننا في نشاطات الإصلاح مستقبلا أن يتذكروا أننا «زملاء» تدربنا وتخرجنا على يدهم ذات يوم، الفرق بيننا أنهم جيش نظامي برتبة، ونحن جيش شعبي برتبة مواطن، وكلنا في خندق الوطن نبتغي رفعته وكرامته وعزته.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.