23.34°القدس
23.06°رام الله
22.19°الخليل
27.38°غزة
23.34° القدس
رام الله23.06°
الخليل22.19°
غزة27.38°
الثلاثاء 30 يوليو 2024
4.78جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.02يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.78
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.02
دولار أمريكي3.72

في السابع عشر من رمضان

خبر: غـــزوة بـــدر... عبرة للظالم والمظلوم

السابع عشر من رمضان المبارك يوم نتنفس فيه كل عام عبق الانتصار بعد أن ازكم أنوفنا نتن الهزائم..وتحلق أرواحنا في أجواء العزة والفخار ونحن نغرق في مستنقع الهزائم والهوان.. قيل الكثير وكتب أكثر عن غزوة بدر وكل ما قيل وكتب لا يفيها حقها..كيف وقائدها الحبيب المصطفى وفرسانها صحبه الابرار.. من ضمن مواقف غزوة بدر الخالدة لفت نظري موقفان، وهما يحملان نفس المضمون وذات العبرة.. الأول : موقف بلال بن رباح رضي الله عنه مع أمية بن خلف والثاني : موقف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع أبي جهل..لن نعيد سرد التفاصيل فهي معروفة للكثيرين ولكن سنطلق العنان للخيال لاستحضار المشهد.. مشهد بلال الفتى الأسود يطارد أمية بن خلف ، وأمية مثل فأر مذعور ترتعد فرائصه يبحث عن سبيل للنجاة وهو يلمح خلفه أسداً ضارياً لا يوقفه شيء، ينقض عليه ويطيح به من على فرسه ويلقيه أرضاً ويضع السيف على عنقه ليشاهد الموت بأم عينيه..يتوسل بلالا أن يبقيه على قيد الحياة...يعرض الأموال والأملاك...يعلن الندم على ما فات.. ولندع أمية غارقاً في بكائياته وتوسلاته ونستدعي الخيال مرة أخرى كي يعود بنا سنوات للوراء.. حيث بلال على الأرض وأمية يزمجر بصوته بينما سوطه يلهب ظهر بلال وجنبيه دون رحمة على رمال صحراء الجزيرة -"الحياة هناك في المدن بدون مكيفات هواء لا تطاق فكيف على رمال الصحراء"-. صخرة عظيمة على صدر بلال وحبل طويل في عنقه لجره على الرمال وعشرات الجلادين من أذناب أمية يتلذذون بالتعذيب مقابل بعض الفتات يلقيه إليهم أمية أو نفاقاً وطمعاً في رضاه..وبلال الملقى على الرمال اللاهبة وسط غابة من سياط وعصي وركلات المجرمين دون معين أو نصير يرنو بعينيه إلى السماء..صارخاً : أحد أحد وكأنه مع إعلانه التوحيد الخالص يقول : "لا أحد لي سواك يا رب أمام هؤلاء الظلمة الحاقدين". دعا بقلبه وعينيه رباً عظيماً يسر له أبا بكر عاجلا ًليخلصه من بطشهم، وأبقى له يوما آجلا لشفاء الغليل (يوم بدر)..(ويشف صدور قوم مؤمنين ). نفس المشهد ولكن مع انقلاب الصورة..بلال يعذب ولكنه يبقى على دينه وعزته وكبريائه فلا يتذلل ولا يتوسل بينما أمية يكاد يقبّل حذاء بلال.. وفي ذات السياق كان هناك "عبد الله بن مسعود" يتقدم ممن أذاقه العذاب ألوانا في مكة وتفنن في اختراع أدوات وأساليب الموت...يتقدم من الزعيم الذي لا يقهر وصاحب السطوة المرعبة والجاه والمال والسلطان..(أبي جهل) ويضع رجله على صدره.. يا الله... يا لعظمة المشهد وجلاله..من كان يصدق ذلك..من كان يصدق أن الأمور ستنقلب رأسا على عقب.. هل ما يجري حقيقة أم خيال : لو قال أحد يوما لأمية وهو يعذب بلالا : لا تسرف وتوقف واحفظ لنفسك خط الرجعة، لأنه سيأتي يوم تكون تحت رحمته. ولو قال أحد لأبي جهل : أن عنقك ستداس بقدم ابن مسعود..ماذا كان سيقول.. ولكن هكذا هي الأيام (وتلك الأيام نداولها بين الناس)...فمن يسمع ومن يعتبر.. رأس أمية ورأس أبي جهل تحت نعال بلال وابن مسعود...هذا حال رؤوس الكفر فكيف بحال الصعاليك والأذناب.. في الموقفين عبرة مفادها أن دوام الحال من المحال وأن للظالم يوماً سيقتص منه المظلوم فيه ولو بعد حين مهما بدا الأمر غريباً ومستبعداً، وأن من تعلق بالله فقد فاز ومن عادى أولياء الله فسوف يأكل يديه ندماً في الدنيا وفي الآخرة إلى جهنم وبئس المصير.. وثمة أمر لا يقل أهمية عما سبق وهو أن الطغاة وأعداء الدين وعباد المال والجاه مستعدون لارتكاب كل موبقة ولتجاوز كل القيم والمحرمات في سبيل تحقيق أهدافهم وشهواتهم لا يردعهم قرابة ولا نسب ، وفي المقابل فإن أولياء الله مستعدون لتحمل العنت والعذاب في سبيل دينهم لأنهم يعلمون أن الله لن يخذلهم حتى وأن ابتلاهم مؤقتا بالظالمين.. وجميل أن نلفت أن عذاب أمية وأبي جهل لم يضع حدا لدعوة بلال وابن مسعود ولم ينه حياتهم ولكن سيف بلال وصاحبه وضعت حداً لطغيان أمية وصاحبه وتكفلت بإنهاء حياتهما وإراحة الناس منهما.. بقيت كلمات قليلة تقال في هذا الموطن العزيز..يستطيع الظالم أن يسجن وأن يعذب وأن يكمم الأفواه وأن يمارس كل أشكال الإرهاب..ولكنه لا يستطيع أن يمنع انطلاق دعوة من قلب مكلوم وعين ترنو إلى خالقها تطلب نصره..فيتقبلها ملك الملوك ذو القوة والجبروت قائلاً: " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ". القائل هو الله جل في علاه..إذن أيها المظلوم صبراً وفقط انتظر وعد الله.. وأيها الظالم إما أن تعود لرشدك وإلا فلا سبيل للنجاة.. إذ إن بلالا لم ولن يصدق توسلات وأكاذيب أمية وابن مسعود كذلك أنى تنطلي عليه خدع أبي جهل، لذا فقد أطاحا برأسيهما. مرحلة الاستضعاف في مكة لا تزال قائمة وغزوة بدر لا محالة قادمة فلينتظر من اختاروا طريق أبي جهل وأمية مصيراً مشابها على يد من اختاروا طريق بلال وابن مسعود.