قد تكون حالة الشعور بالنقص ومعرفة كل شيئ تطارد المواطن العربي , فهو يعلم في كل شيئ ويفتي في كل شيئ حتي بما لا يعلمه ... أعجبني برنامج بث على أحد القنوات المصرية بعنوان" أرجوك ما تفتيش" كان يتضمن مقابلات مع العديد من المواطنين, تسألهم المذيعة عن مصطلحات أو أحداث لم يسمعوا بها من قبل, وللأسف كان جميع المواطنين _بلا استثناء_ يفتون ويحللون في هذه المصطلحات. إن ظاهرة الإفتاء كانت وليدة كبت وتسلط وقهر ومعاناة عاشها المواطن العربي عبر سنينه الطوال, حتى وصل لمرحلة أنه يريد أن يعبر عن أي شي حتى وإن لم يسمع به أو بمعناه,( كالميكافيليا, الإنتلجنسيا, علم الجينات, وعلم الزلازل والبراكين , الفسيخ , الكاناتا, خط الاستواء...... ) حين صعد والدي المريض في الكرسي الأمامي من السيارة متوجها لعمله, لاحظ السائق والركاب انحناءً واضحًا في ظهره, وبدأت النصائح والفتاوي تهب من كل حدب وصوب في السيارة, تخرج من الشبابيك لتعود إلى أذن أبي... وتدخل في جهاز الغيارات لتخرج من مروحة المكيف, ذاك ينصحه بعسل النحل, وأخر ينصحه بدواء قد سمع به ولكنه لا يحسن نطقه لأنه باللغة الإنجليزية, والثالث ينصحه بنبتة عجيبة التكوين, وحبة البركة – له جار جربهما ونجح العلاج- , والسائق أيضا بدأ يلقى بالنصائح الطبية علي والدي الذي ما بقي دواء في العالم صدر أو سيصدر إلا تابع مراحل إنتاجه, وخط توزيعه, وما بقي طب شعبي إلا جربه, ويعلم كل ما يقولونه بالتفصيل الممل, فأخذ والدي يستمع إليهم ويقول آه , نعم , صحيح.... إلى أن نزل من السيارة! حقيقة الأمر أن والدي –حفظه الله- لم يطلب استشارة أحد من الموجودين في السيارة, ولكن طبيعتنا تلك التي حتمت علينا أن نفتي في نعلم وما لا نعلم ... يظن بعض الناس أنه بمجرد أن قرأ كتابا أو اثنين, أو سمع مصطلحا هنا أو هناك , أصبح خبيرًا ثقافيًا, وطبيباً نوعيًا, ومفتيًا عظيماً, وعالما جهبذا, ومرشدا اجتماعياً, وقاضيًا حكماً عدلاً يحكم بما أنزل الله, ... لمجرد أنه قرأ أو سمع مقتطفات من بعض الكتب والخراريف , ولو أنه ترك المجال لأصحاب التخصص لكي يتحدثوا عنه لأراح رأسه وهمه, وما يثيرنا حقيقة أن الإجابة دائما جاهزة علي لسان المواطن, كيف ومتى وأين ولماذا؟ أي تلك الأسئلة يجيبك عليها بسرعة خارقة ؟! وهو لا يعلم عن الموضوع شيئا!! .... فمتى نريح بالنا من أعباء فتوى لا نعلم عنها شيئا.. ونقول أننا لانعلم أو نصمت ؟!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.