بلحيته الجميلة، ووجه ناصع البياض، وجسد أرهقه الجهاد، وروح اشتاقت لمن فارقها من الأحباب، وبمصحفه الصغير الذي لا يكاد يفارقه، فهو الشيخ الوقور، والحافظ لكتاب الله الكريم، والحاصل على السند المتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمضى الشيخ نور الدين بركة حياته بين علوم القرآن والشريعة، وبين جهاد طويل، انتهت بالشهادة.
الشهيد الشيخ نور الدين محمد بركة (38 عاماً) من سكان المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ارتقى إلى ربه شهيداً بصحبة 6 مجاهدين مساء أمس الأحد باشتباك مع قوة إسرائيلية خاصة بمنطقة الفراحين شرق خان يونس.
طيب الذكر والعمل
ما أن أعلنت وزارة الصحة عن استشهاد الشيخ نور الدين بركة حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بجميل صنيع الشهيد ورفاقه، وبزغ نور شهيدنا نور بين رفاقه الشهداء، فهو القائد في الدنيا والأول في الشهادة فيما بينهم.
شقيقة الشهيد بركة رثت شقيقها مع اللحظات الأولى لإعلان خبر استشهاده بقولها :"يشهد الله أنّك الأنقى والأتقى والأصدق، لا يمكن للكلمات التي تصفك؛ فو الله أنّي أحبّك يا روحي، حاربتُ كل مَن وصفك بالمتشدّد،، كنت صديقي وحبيبي، لم تسمح لي يوما بنشر صورة لك، حتى يوم مناقشة رسالتك لم تقبل أن ألتقط لك صورة يا روحي يا أخي، أنت أوّلنا لحوقاً بأبينا، أقرئه السلام، الأسبوع الماضي كنتُ مريضة، وكنتَ بجانبي، وحينما طلبت منّي أن أتناول شيئا أكله قلتُ لك لقد قرّبت حاسة بدي أموت، لم أعلم حينها أنّك ستغادرنا حيث الراحة الأبدية، سأبقى أخبرهم عنك، عن بطولاتك، عن إخلاصك، عن غيرتك علينا وحبك العميق لنا ولي على وجه الخصوص، كنتَ تحرص كلّ الحرص لنا، لم تقبل أن يزعجني أحداً يوماً ما، أخي لا تذهب، نريدك بقربنا، أخي أنت الحبيب والصديق، لك الفضل بعد الله أن أدخل هذه الكلية التي انتسبت إليها قبلي، لروحك ألف سلام، أحبّك".
وأوضحت إيمان شقيقة الشهيد أن الشهيد نور الدين أول صلاة فجر تفوته منذ أن وجبت بحقه الصلاة، قائلة :"أول صلاة فجر تفوتك يا روح القلب مذ أن بلغتَ الحُلُم،، لقد كنتَ عابداً زاهداً تقياً ورعاً صادقاً تصدح بالحقّ، ولا تخشى في الله لومة لائم،، لم تماري أحداً قط، نم في سلام يا حبيب".
ماجستير في الفقه المقارن
كتب الله للشيخ الشهيد بركة أن يحصل على شهادة الماجستير من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية قبل شهرين من استشهاده.
حيث اختار الشيخ بركة عنوانا لرسالة الماجستير الخاصة به "الإهمال في العمل الجهادي .. دراسة فقهية مقارنة" وتم مناقشته وحصوله على درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية في سبتمبر 2018.
تعمق الشهيد في تفاصيل العمل الجهادي عملياً وعلمياً، حيث عمل مسئول النخبة في كتائب القسام بالمنطقة الشرقية لخان يونس، وحصل على شهادته العلمية في الفق المقارن، ليجمع بين علم وعمل وجهاد وشهادة.
وعلق الدكتور رفيق رضوان مشرف رسالة الماجستير للشهيد نور الدين بركة على شهادة نور بقوله :"رحمك الله يا نور الأنوار ويا قمر الأقمار ويا بركة الأبرار، رحمك الله يا أيها الحبيب الشيخ نور محمد سلامة بركة، فقد كنت عابداً صالحاً زاهداً مجاهداً طالباً للعلم قليل الكلام كثير الصمت والتفكر حيياً كريماً صادقاً وفياً، تقبلك الله يا نور مع النبيين والصديقين والشهداء وألهم اهلك ومحبيك الصبر والثبات".
المعلم يرثي تلميذه
حصل الشهيد بركة على السند بالقراءات العشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم على يد الشيخ هاني العلي، حيث علق العلي على استشهاد تلميذه بقوله :"إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا عبد الرحمن لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، أخي الحبيب المجاهد الشهيد نور الدين بركة القارئ الجامع للقراءات العشر المتواترة، أول من أجزته بإجازة القراءات العشر".
وتابع الشيخ العلي رثاءه لتلميذه :"تقبلك الله شهيداً فما عرفتك إلا من أهل الله صواماً قواماً كثير الصمت قليل الكلام عظيم الفعال كثير العمل عفيف اللسان طيب القلب هنيئا لك عشت لله وها أنت تقتل في سبيل الله، بالأمس قرأت علينا ولعلك الليلة تقرأ في الجنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخي الحبيب لا أقول وداعاً بل أقول إلى لقاء في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر".
من هو الشهيد بركة
واستشهد 7 مقاومين باشتباك مسلح وقصف مع قوات الاحتلال الإسرائيلي شرق مدينة خان يونس مساء أمس الأحد، حيث أعلنت كتائب القسام عن تصدي مجاهديها لتسلل وحدة إسرائيلية خاصة، وأعلن الاحتلال مقتل ضابط وإصابة آخر خلال عملية خان يونس.
استشهد الليلة الماضية القائد القسامي نور الدين محمد بركة مع ستة شهداء أثناء تصديهم لعملية عسكرية إسرائيلية خاصة شرقي محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، فمن هو "بركة "الذي كان له الدور الأبرز في كشف القوة الخاصة الإسرائيلية وإفشال عملية جيش الاحتلال؟
بركة البالغ (37 عامًا) ترعرع منذ صباه على المقاومة في أسرة معروفة بجهادها وتضحياتها وحبها للعلم، شقيقه البروفيسور عالم الفلك سليمان بركة، والشهيد نور درس الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن في رسالة عنونها بـ"الإهمال في العمل الجهادي".
جمع المجاهد بركة الذي عُرف إمامًا في مساجد محافظة خانيونس بالقراءات العشر المتواترة، وهو أول من حصل على إجازة القراءات العشر من الشيخ القارئ هاني العلي الحاصل على أعلى سند متصل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في القطاع.
تتميز أسرة الشهيد نور الملقبة باسم "المحرّث" بسمعتها الطيبة وهيبتها بين أهالي المنطقة الشرقية لخانيونس، وكان الشهيد كما إخوانه الأربعة يرفض الظهور إعلاميًا، ويواظب على عمله الجهادي والدعوي سرًا.
التحق نور وهو متزوج وأب لستة أطفال بكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل بلوغه الـ18 من عمره، وكان مرافقًا لأبرز قيادات الحركة، قبل أن يصبح في رتبة عسكرية رفيعة.
قاد بركة عمليات المقاومة في التصدي للاجتياحات البرية لجيش الاحتلال خلال حروبه على القطاع عامي 2008 و2014، واستهدف الاحتلال منزل أسرته في عدوان2008 ما أدى لاستشهاد ابن شقيقه إبراهيم سليمان بركة (12 عامًا)، وهو ابن عالم الفلك سليمان بركة، الذي كان يتواجد في الخارج أثناء استشهاد نجله ولم يستطع العودة في حينها، بالإضافة إلى إصابة عدد من أفراد أسرته بينهم والدة الشهيد وابن شقيقته الذي بُترت قدماه بالقصف.