21.1°القدس
20.78°رام الله
19.97°الخليل
24.64°غزة
21.1° القدس
رام الله20.78°
الخليل19.97°
غزة24.64°
الخميس 03 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.33دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.78دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.33
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.78

غزة.. حرب وجنون ومفاجأة

19149111_1499343636791379_8318660459286660502_n
19149111_1499343636791379_8318660459286660502_n
هاشم نواف – غزة

رغم صغر مساحتها ووضعها السياسي والاقتصادي المعقد، ورغم الحالة الصعبة التي يعيشها أهلها بسبب الحصار الجائر الذي فرض عليها منذ عام 2006؛ إلا أن غزة حافظت على وظيفتها الأبدية كشوكة عالقة في حلق الإحتلال الإسرائيلي؛ لتأخذ نصيباً لا بأس فيه من اسمها.. فتغزه غزّاً كلما ركن إلى راحة أو حاول التطاول عليها، وتظل القلعة الشامخة التي لا تستسلم أمام كل المحاولات التي مورست وتمارس لإخضاعها كما الزعماءَ العرب.
لم يكن حلم رابين القديم بأن يبتلع البحر غزة مجرد حلم نابع من حقده الدفين لغزة فقط؛ بل كان في مجمله بمثابة دليل إدانة مخزٍ على عجزهم الدائم أمام صمود وبسالة أهلها في الدفاع عنها، لتبقى غزة هي الحصن الأخير الغير قابل للكسر؛ الحصن الذي يعكر صفوهم، وتبقى غزة هي المشكلة التي لا حل لها على مر الحكومات المتعاقبة للكيان الصهيوني.
هذا ما أكده مجدداً الوزير الصهيوني وعضو حزب الليكود "يوفال شتاينتس" بقوله تعقيباً على موجة التصعيد والعدوان الأخير على غزة : "لا يوجد حل فعال وقوي لغزة".
وتنهض غزة من الرماد كالفينيق،كلما ظنوا انها النهاية تنهض ببسالة واضحة، وتعود أقوى مما كانت.
مفاجئة الجميع في الأحداث الأخيرة والتصعيد الغاضب عليها؛ فما الذي اختلف عن ما سبق؟ وما هو الجديد في العدوان الأخير على غزة؟

غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة

نجحت المقاومة الفلسطينية في توحيد عملها العسكري لكافة فصائل المقاومة تحت سقف غرفة العمليات المشتركة؛ على الرغم من تعدد الفصائل العاملة في الميدان، وهذا ما أظهر مدى التطور الجديد والتناغم الذي يحسب لقيادة المقاومة لما له من تبعات إيجابية على حشد الحاضنة الشعبية ووحدتها وتماسكها أمام التغول الصهيوني الهمجي على غزة. علماً بعدم استقرار الجبهة الداخلية بين أكبر حزبين في فلسطين.. لم يمنع أي اختلاف ماضٍ على التوحد في الذود عن حياض الوطن ضد العدو الوحيد له.
أوصلت المقاومة بهذا التنسيق العالي والجهود الموحدة بين كافة الفصائل رسائلَ واضحةً؛ نحن ربما نختلف بالإنتماء.. بالأسماء.. وببعض الشكليات.. لكننا جبهة واحدة وبوصلة موحدة تؤشر على الإحتلال حتى دحره عن أرضنا.
ولا شك أن هذا التناغم الفصائلي الوحدوي سينعكس اثره على القيادة السياسية ايضاً.. كيف لا وهي التي تحرك هذه الأجنحة المقاومة حسب ما يتطلبه الموقف.
وهذا ما يمكنه أن يذلل جميع العقبات أمام السياسيين للوصول إلى قرار سياسي موحد، طالما حلم به الفلسطينيين.

الانقسام السياسي الاسرائيلي

وعلى النقيض.. نجد في الجانب الإسرائيلي أن الانقسام السياسي بين قيادة الحكومة الصهيونية ووزراءها هو سيد الموقف، نظراً لما آلت إليه الامور وما ترتبت عليها بعد العدوان الأخير على غزة.
فكانت المجزرة السياسية الشرسة بين اقطاب البيت الصهيوني.. بين الراغبين في حرب والخائفين من إنقلاب رأي الشارع الإسرائيلي عليهم.
فجاء رد عضو الكنيست "موني يوغيف" معترضاً على قرار الكابينت بوقف إطلاق النار قائلاً: "حماس هي التي حددت قواعد اللعبة، وبهذا تكون قد حققت نوعاً من النصر، وبهذا نكون لم نحقق ردعاً ضد غزة". وهذا صحيح تماماً.
أما المحلل الإسرائيلي "باراك راڤيد"، فقد نقل على لسان أحد كبار الوزراء في نهاية اجتماع الكابينت، أنه لم يكن هناك تصويت على وقف إطلاق النار وأن هناك أربعة وزراء وعلى رأسهم "ليبرمان" و"بينت" كانوا ضد قرار وقف إطلاق النار، ولكن "نتنياهو" اتخذ هذا القرار الذي صوت الوزراء الأربعة ضده.
كان هذا الاختلاف مؤشراً واضحاً على الانقسام في البيت السياسي الإسرائيلي، وهو ليس وليد اللحظة.. بل هو تراكم لاختلافات كثيرة في الرؤية السياسية فيه. 
بعد العدوان الأخير على غزة الذي تلاه مباشرة إستقالة "ليبرمان"، عقبت "تسيبي حوتبيلي" نائبة "نتنياهو" في الخارجية على قرار "ليبرمان" بالاستقالة قائلة: "ليبرمان سياسي ساخر.. لا يوجد مواطن في إسرائيل يأسف على استقالته". وربما كانت مظاهر الإحتفال في جنوب إسرائيل وغيرها باستقالته دليلاً على صحة كلامها.

بهذا تكون المقاومة الفلسطينية قد سجلت نقطة جديدة لحسابها في هذه الجولة؛ بأن أربكت حسابات السياسيين الإسرائيليين وخلقت بينهم شرخاً واضحاً في قراراتهم، بعد أن وضعت معادلة جديدة للرد على أي عدوان على غزة، وتحديد بداية ونهاية الجولة التصعيدية الأخيرة.

الاستعداد والجهوزية العالية للمقاومة

أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة جهوزيتها العالية ويقظتها في مواجهة العدو الصهيوني من أي غدر او اختراق، وهذا ما تمثل في الحدث الأمني الخطير جداً شرق خانيونس. ففي الوقت الذي ظن فيه الاحتلال أن المقاومة قد أمنت بطشه وتراخت قليلاً، بسبب الأحاديث التي تدور عن تهدئة واتفاق بوساطة مصرية، لخلق هدوء في غزة؛ قامت مجموعة من القوات الخاصة الصهيونية بالدخول إلى غزة؛ لتنفيذ عملية وصفت بالكبيرة والخطيرة، من أجل كسب نقاط قوة وقلب الطاولة في أي اتفاق جديد مع غزة. 
لكن كانت المقاومة لهم بالمرصاد، بمجرد اكتشاف القوة الخاصة في سيارة مدنية، اندلعت النيران واستنفرت المقاومة. استشهد على اثرها قائد ميداني وستة أبطال مقاومين لا يكاد المعجم يحوي كلمات لتوفيهم حقهم من بطولة وشجاعة في الميدان، والتي يروى حكاية ذاك العشريني المقاوم الذي طارد سيارة القوة الخاصة وهي تلوذ بالفرار ووقف بطريقها بـ"توكتوك" غير مبالٍ بروحه، ورواية أخرى عن من لم يكمل الأسبوع كزوج جديد؛ مدللين على عظمة وتضحية وبسالة نادرين، ومؤديين إلى مصير حتمي بفشل عملية الصهاينة بإمتياز، التي قتل خلالها قائد الوحدة وأصيب آخرين بعد مطاردة لحوحة لجوجة؛ ولولا أن تدخل الطيران الحربي الذي قصف المكان بغزارة مجنونة لتأمين انسحاب هذه القوة، مذلولين مدحورين يجرون أذيال الهزيمة والفشل، لما عاد أحد من أفراد القوة الخاصة -إلى ديارنا نحن وليس ديارهم- سالماً.

لترد المقاومة بعدها على هذا الاختراق برشقات غزيرة من الصواريخ على مستوطنات الغلاف.
ومن ثم توسع من استهدافها لتطال صواريخها عسقلان، التي أمضت ليلة ليلاء، لما حملته الصواريخ التي سقطت عليها نجاعة ودقة، كرد أولي قابل للزيادة في الكثافة والقوة.

ولا يدل هذا إلا على سيطرة المقاومة وجهوزيتها لرد أي عدوان، حتى وان وصل إلى عملية واسعة.
وبمقارنة جهوزية جيش الاحتلال.. تحدث الخبير العسكري الصهيوني "رون بن يشاي" أن الفلسطينيون هم من افتتحوا هذه الجولة، وأنهم كانوا مستعدين جيداً، فبدأوا ردهم ببداية غير تقليدية عن طريق الكورنيت الذي لم نشاهد مثله منذ سنوات طويلة. وربما كان الفيديو القصير على وسائل التواصل الإجتماعي لجندي إسرائيلي يرفض الدخول إلى الحافلة العسكرية، مؤشراً على مدى جهوزية جنود الكيان الصهيوني النفسية.
وإن مما يؤكد عدم جهوزيته لهذه الجولة أيضاً، هي ردة فعله وارتباكه وقصفه الهمجي لمنازل المدنيين والتجمعات السكنية بغزة.


المباغتة وامتلاك زمام المبادرة في الرد على العدوان

على غير المتوقع كانت المقاومة هذه المرة هي من تمتلك زمام المبادرة، لتفوّت بذلك الفرصة على العدو في تحقيق ضربة استباقية؛ كما اعتاد في كل مرة يهاجم فيها فهي إحدى استراتيجياته العسكرية.
لتكسب بذلك المقاومة هذه النقطة لصالحها وتباغت الاحتلال بطريقته التي يتقنها، فنجحت في إرباك حساباته، والرد على جرائمه بضربه حيث لا يتوقع، وهذا ما جاء في حديث الاستخبارات الإسرائيلية؛ التي أشارت بأن جميع التوقعات تحدثت عن رد لن يكون بهذه القوة وانه ربما سيكون فقط عبارة عن بعض رشقات الصواريخ على مستوطنات الغلاف وستهدأ.
ولكن.. يبدو أن الرياح تستمر في أن تجري بما لا يشتهي الاحتلال الصهيوني؛ جاء الرد الفلسطيني على عكس التوقعات، فاجأت المقاومة الاحتلال بكثافة ودقة وقوة الرد على جرائم الاحتلال المتراكمة.
وهذا ما رجّح كفة المقاومة في هذه الجولة، وجعل يدها هي العليا؛ لتتحطم بذلك قوة الردع الصهيونية واستراتيجيتها على أسوار هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في مساحتها، الكبيرة بصمود وشجاعة أهلها، ليعترف هذا الكيان الذي لطالما روّج لأسطورة "الجيش الذي لا يقهر" بعجزه أمام غزة؛ سائرين على نهج سلفهم رابين بتمنياتهم بأن تنشق الأرض وتبتلعها، تمنيات هيهات لها أن تتحقق .
وأعلن الكيان نهايةَ جولته العدوانية بموافقته على المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار مع غزة ليحفظ ما تبقى من كرامته التي تمرغت فوق أرضها.

الشارع الفلسطيني وحالة نفسية عجيبة

خلافاً لأي عدوان صهيوني سابق، ولأي تصعيد ماضٍ، الغزيون مختلفون هذه المرة؛ مرهقون مالياً.. محاربون في لقمتهم.. رواتبهم.. حريتهم.. سفرهم وعلمهم وعملهم. على مدار سنوات طويلة من الحصار من أكثر من طرف معلومين جيداً لهم، محرومون من أدنى مقومات العيش.. لا كهرباء.. لا حرية في السفر.. لا يمكنهم شراء أي شيء فهناك الكثير من البضائع الممنوعة أمنياً، بين الفينة والأخرى يتم فصل عدة آلاف من الموظفين من الأونروا أو غيرها تنفيذا لسياسة تقليص الموظفين، المساعدات الإجتماعية لم تعد تسلم شهريا، وإنما كل عدة أشهر، رواتب بعض الأسرى والشهداء قطعت، لا رواتب بنسبة 100% منذ زمن .. الوقت يمر ببطء مؤلم للغزيين.
لكن.. التف الشعب حول المقاومة فوراً.. بلا أي استثناء. تم توزيع الحلويات بعد رؤية الباص المتفجر، منصات التواصل الاجتماعي تلهج بالدعاء للمقاومين وتثبيتهم، كما ظهرت خفة ظل الغزييين في منشوراتهم وتعليقاتهم على الأحداث التي جرت. وليس "وحدة الكاوشوك الإسرائيلي" إلا كمثال على ذلك، ومن جانب اخر انفجرت مواقع التواصل شامتة ساخرة من مصير ليبرمان وفشله ،أما الجندي الذي ظهر في فيديو استهداف الباص بالكورنيت فكان اضحوكة رواد مواقع التواصل ، وعلى العكس تماما في الجانب الاسرائيلي فان حرق الإسرائيليين لإطارات السيارات وخروجهم بمسيرات واغلاق الطرق دليل على فقدان الثقة بحكومتهم وتكذيبها ونفاذ صبرهم وهذا ما سيؤثر على قرارات الحكومة القادمة إن كُتب لها أن تعيش لبضعة أيام أخرى قبل ان يدوي صوت سقوطها كما ليبرمان عالياً.