لعل المثل القائل "اقتل القتيل وامشي في جنازته" خير دليل لمعرفة من الذي يقف وراء مجزرة الجنود المصريين في رفح والتي أودت بحياة 17جنديا وجرح عشرة آخرين في شهر رمضان المبارك، حيث نفذت الجريمة قبل موعد الإفطار بوقت قليل، فحسبي الله ونعم الوكيل. لقد جاءت هذه الجريمة الدموية في الوقت الذي للتو أخذت مصر الشقيقة تلتقط أنفاسها وتستعيد عافيتها بعد نجاح ثورتها المجيدة وقد تخلصت من نظام مبارك المستبد، وعوضها الله بخير أمة "جماعة الإخوان المسلمين" لحكم وإدارة شؤون البلاد بعد خوض انتخابات ديمقراطية نزيهة لأول مرة في تاريخ الجمهورية، وهو ما غاظ العدو وزاد من حقده على الشعب المصري. ليس دفاعا عن أنفسنا، فمن الواضح أن الهدف من وراء هذه الجريمة النكراء لا يصب في مصلحة الفلسطينيين ولا في مصلحة غزة بوجه الخصوص، ولولا انه غير ذلك يمكن القول بكل صراحة إنه يخدم الجهة "الفلانية أو العلانية"، لكن المستفيد منها أولا وأخيرا هي (إسرائيل)، لماذا؟، لأنها لا تريد لمصر وشعبها الذي تخلص من صديقها الحميم والمخلص مبارك وشلته خيرا، ما دام الحكم الجديد لا يعيرها أي أهمية ويعتبرها كيانا معاديا ومحتلا مغتصبا لفلسطين. وإذا ما تأملنا قليلا في الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها (إسرائيل) قبل العملية نجد أنها جميعها تشير إلى ضلوعها المباشر في الجريمة، وإلا لماذا قامت (إسرائيل) باتخاذ كل التدابير والإجراءات الأمنية مثل قرار إجلاء جميع رعاياها من سيناء ومنع مواطنيها من الذهاب إليها؟ كما أن أجهزتها الاستخبارية كانت على علم مسبق بالعملية، وجعلت قواتها العسكرية على أهبة الاستعداد للتصدي لأي رد فعل على حدودها، وحسب ما أعلنته (إسرائيل) أن مقاتلاتها العسكرية قصفت الآلة العسكرية التي كان منفذو العملية يستقلونها متجهين باتجاه الحدود المحاذية لها (معبر كرم أبو سالم)، حتى تبعد الشك عن نفسها. أعتقد أن محاولات زج الشعب الفلسطيني في أعمال إرهابية وإجرامية ليس هي الأولى وليس الأخيرة من قبل دولة الاحتلال، فمعروف أنها تحاول دائما تبرئة نفسها من الجريمة ونفض أيديها الملطخة بالدماء من الجريمة وإلصاقها بالفلسطينيين حتى لو كانت الجريمة منفذة ضد الفلسطينيين أنفسهم، لذا يجب أن لا نستبق الأحداث والتحقيقات في جريمة القتل للجنود المصريين وألا ننساق وراء ما ينشر ويبث عبر وسائل الإعلام التي اغلبها لا تتأكد من صحة الأخبار التي تبثها. فالشعب الفلسطيني مثل باقي الشعوب العربية والإسلامية ، لا يمكن أن يقدم على فعل مثل هذه الجريمة النكراء ،إيمانا بأن الشعب المصري هو شعب شقيق، ويعتبر الشعبان (الفلسطيني المصري) في النفوس والنصوص شعبا واحدا، ولا فرق بين الفلسطيني والمصري بحكم الجوار وصلة الدين والدم والجنس والعرق والنسب، فلم تخلُ عائلة فلسطينية من العرق المصري، تماما كما أنه لا تخلو عائلة مصرية من شهيد لها من اجل فلسطين، فكيف بالله يصبح الدم ماء، وتهون الأنفس ويرخص الشرف بين الشعبين الشقيقين؟ فاتهام وتلفيق جريمة قتل الجنود المصريين للفلسطينيين هي بحد ذاتها جريمة أخرى لا يمكن السكوت عليها؟ باستثناء العملاء والمأجورين الذين يستخدمهم الاحتلال دائما في تنفيذ جرائمه ضد الشعب الفلسطيني بضرب الفلسطيني بالفلسطيني أو ربما الفلسطيني بالمصري أو غير المصري، وكما يعلم الجميع أن ظاهرة العملاء هي ظاهرة شاذة خارجة عن أصول وسلوك وعادات وتقاليد الشعب الفلسطيني المجاهد والمناضل. إن العدو الصهيوني لم يغمض عينه عن الشأن المصري، وهو في حالة ترقب شديد لما يحدث لحظة بلحظة في مصر، وما يطرأ من مستجدات على السياسة المصرية وما يصدر من تصريحات عن الرئيس المصري مرسي، بما يتعلق بالسياسة الداخلية والسياسة الخارجية، سواء تعلق الأمر بتشكيل الحكومة المصرية الجديدة، أو بالمعاملات والتعاون المصري الإسرائيلي الأمريكي، وما يعكسه من تعاون مصري فلسطيني بما يخص رفع الحصار عن قطاع غزة وتخفيف معاناة أهله وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. فدولة الاحتلال الصهيوني لا تزال تبحث عن بديل لنظام مبارك السابق، وما تريده من مصر هو الشيء الكثير أهمه: أولا: الرجوع إلى زمن نظام مبارك المتآخي معها طوال الأربعين سنة الماضية، ولكن هذا الطلب مستحيل جدا في ظل حكم إخواني لا يعترف بدولة الكيان ولا بوجود الاحتلال ولا يقيم معها أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق. ثانيا: ضمان الحفاظ على معاهدة السلام "كامب ديفيد" نصا وحرفا وإلزام الرئاسة والحكومة ومجلس الشعب بها والعمل على تطويرها إلى حد التطبيع، وفتح علاقات على جميع المستويات وتعميق التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والمائية. ثالثا: تأمين حدودها والحفاظ على أمنها بجعل الجنود المصريين حرسا لحدودها ومستوطناتها، أكثر ضمانا ما كان عليه الحال في السابق. رابعا: إطلاق يدها كاملة في سيناء، كي تسرح وتمرح كما تشاء، لأنها لازالت تعتبر هذا الجزء من مصر تاريخيا جزءا خاصا بها. خامسا: تسهيل الملاحة البحرية لها لاسيما في قناة السويس، التي تعتبرها ممرا استراتيجيا يخدمها في التجارة ونقل بضائعها، واستخدامها في مناوراتها العسكرية خاصة وأنها الطريق الأسهل لضرب إيران. سادسا: عدم السماح لمصر بالتدخل في الشأن الفلسطيني، لأن مصر تعتبر ثقلا في القضية الفلسطينية وبإمكانها لعب دور إرجاح كفة ميزان القوة. سابعا: تشديد الحصار الخانق على قطاع غزة، بإغلاق معبر رفح والأنفاق بما يشابه إغلاقها لكل المعابر والمنافذ الواقعة تحت سيطرتها المؤدية إليه. ثامنا: ضرب العلاقة بين مصر وحكومة وحركة حماس ومقاطعتها وعدم الاعتراف بهما، كما كان الحال عليه في العهد السابق زمن مبارك المخلوع. تاسعا: استعراض وفرض العضلات العسكرية باستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي المنهار في عده حروب سابقة كان أولها حرب أكتوبر عام 1973، الذي مني بهزيمة تاريخية من الجيش المصري. عاشرا: تغيير واقع سيناء من كونها خط الدفاع الأول عن مصر إلى وضعها تحت الانتداب الدولي بحجة حفظ الأمن فيها. وأختم قولي إن الاعتداء الآثم والبغيض على الجنود المصريين هو اعتداء على مصر وشعبها، لا بل اعتداء على الأمتين العربية والإسلامية، ولا يمكن السكوت على هذه الجريمة بأي حال من الأحوال، وستبقى وصمة عار على جبين الكيان الصهيوني ومن يقف معه، ويجب ألا تمر دون عقاب بالنظر من جديد في اتفاقية "كامب ديفيد" المشئومة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.