في وداع رمضان شهر الخيرات والحرمات والعتق من النيران، وفي عيد الفطر السعيد نقول لقراء فلسطين والعاملين فيها وللشعب كله تقبل الله منكم الصالحات وكل عام وأنتم بخير، أعاده الله علينا في عام قادم وقد تحرر المسجد الأقصى، وتحررت بلادنا فلسطين. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لكل عمل شِرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى"، وفي لفظ آخر صحيح: " فمن كانت شِرته إلى سنتي فقد اهتدى". أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والشرة: بذل أقصى الجد والاجتهاد، والفترة: من الفتور. لقد تأملت الحديث لأيام فوجدته على قلة في عدد الألفاظ تمتلئ بالمعاني والأفكار، والحديث هنا يتحدث عن كل عمل، ولكني أتناوله هنا من باب العمل التعبدي بمناسبة رمضان، إذ لا شك أن المسلمين العابدين بلغوا فيه، وبالذات في العشر الأواخر منه، وبالذات المعتكفين درجة الشرة، حيث الجد والاجتهاد وبذل أقصى الجهد في الصلاة والقرآن والاستغفار. ومن أول المعاني التي لفتت نظري إليها، قوله – صلى الله عليه وسلم من كانت شرته إلى سنتي فقد اهتدى، وبموازاتها قوله: من كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، فعلمت أن (السنة) هي المعيار وهي الحكم في الأعمال، فمن طلب الزيادة في التعبد على سنته فقد فارق الهداية، كالنفر الذين استقلوا عبادتهم، فتعهد أحدهم أن يصوم ولا يفطر، وتعهد الآخر أن يقوم للصلاة ولا ينام، وتعهد الثالث ألا يتزوج النساء، فلما علم رسول الله خبرهم أنكر عليهم، وقال: من رغب عن سنتي فليس مني. وبموازاة ذلك فإن الفترة من الفتور والضعف في العبادة وهذه محكومة بالسنة فمن تجاوز آخر نقطة الفتور فقد فارق السنة وذهب في الانحراف. نعلم مما تقدم أن للمسلم في العبادة ثلاثة أحوال تحتاج إلى بعض التخيل أو الرسم البياني، مرحلة الوسط هي المرحلة المعتادة من العابد، ومرحلة الفتور هي الحالة التي فيها ضعف وكسل نسبي، ومرحلة الشرة هي التي فيها الجهد والاجتهاد كالسابع والعشرين من رمضان، وعلى المسلم ألا يخرج عن طرفي المعادلة النسبية (الفتور-والشرة) حتى لا يخرج عن السنة، بل عليه أن يجتهد ليكون في منطقة الشرة والاجتهاد، حيث يتيح له رمضان كمناسبة سنوية فرصة الترقي إلى أعلى درجات السنة في العبادة. ومن المعاني المستفادة ثانيًا، أن الحديث يشير إلى ما يمكن تسميته بالطبقات والدرجات والمستويات، فالجنة درجات، والنار دركات، والناس فيهما طبقات وليسوا طبقة واحدة، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – درجات ومستويات وليالي رمضان ليست كنهاره، والعشر الأواخر ليست كالأوائل، وليلة السابع والعشرين ليست كبقية العشر، واجتهاد الناس فيها كما وكيفا يتفوق على ما سواها، وقد لا يستطيع العابد الزاهد أن يبقي حياته على سنة السابع والعشرين لذا فإن للأحوال التعبدية (شرة-وفترة) محكومتين بالسنة، وإلا فلا. ومن المعاني المستفادة ثالثًا، هو الطبيعة الديناميكية المتحركة دائمًا لحال العابد المتجه إلى الله، فحال العابد كما يفهم من الحديث ليست حالة ثابتة استاتيكية بل متحركة دائمًا داخل دائرة السنة، فيتنقل بين (الفترة-والشرة) في حركة دائمة ليست باتجاه واحد دائمًا، وتأتي المناسبات والمواسم المسكونة بنفحات الإيمان منحة من الله للعابد قد تكون حركته التعبدية باتجاه الصعود والترقي إلى أعلى، وهذا ما يحصل في رمضان، وفي الحج، وفي العمرة، وفي الزكاة، وفي الشهادة في سبيل الله وغير ذلك، ولأنه لا يستطيع إبقاء حياته على هذه الحالة، كانت حياته مغالبة، ومجاهدة، ومدافعة داخل دائرة السنة، وطلب الكمال الذي هو صفة خاصة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وسلّم درجات العابد طالب الكمال فيه كل الدرجات المتخيلة من (1-100) وما بينهما إذا افترضنا درجة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.