24.43°القدس
24.05°رام الله
23.3°الخليل
25.09°غزة
24.43° القدس
رام الله24.05°
الخليل23.3°
غزة25.09°
الخميس 03 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.33دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.78دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.33
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.78

خيار ضم الضفة الغربية.. شعار بلا رصيد

ناصر ناصر
ناصر ناصر
ناصر ناصر

تصاعد في الآونة الأخيرة خطاب ضم الضفة الغربية كلها أو بعضا منها لإسرائيل، وتحديدا مع تزايد قوة وتأثير اليمين الاستيطاني الذي يتزعمه نفتالي بينت كحزب وتنظيم، ولكنه ينتشر فكريا في كثير من الاحزاب الاسرائيلية، وعلى رأسها الحزب الحاكم الليكود الذي يرى ضرورة ضم مناطق الضفة التي تسمى مناطق C والتي تمثل ما يقارب 60% من أراضي الضفة الغربية والخاضعة لسيطرة أمنية ومدنية اسرائيلية كاملة، كبديل عن حل الدولتين المقبول إقليميا ودوليا.

يتصاعد خطاب الضم على خلفية الضجيج المضلل والمستمر لخطة ترامب مضمونا وتوقيتا، واستمرار تعزيز الاستيطان بوتيرة متنامية كما ظهر في القوانين المشرعنة للاستيطان القائم بشكل غير قانوني بحجج مختلفة ومنها الرد الصهيوني الملائم لتصاعد عمليات المقاومة الاخيرة في رام الله، فهل يملك خيار ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها احتمالات سياسية عالية أم سيبقى مجرد شعارات يمينية شعبوية رنانة؟

تتعلق توجهات وقرارات حكومة دولة الاحتلال بالضم بمدى تقديراتها الاستخباراتية والسياسية للثمن الذي ستدفعه اسرائيل أمنيا واقتصاديا وسياسياً كنتيجة لردة الفعل الفلسطينية على قرارها بالضم، فلو علمت اسرائيل بأن ردة فعل الفلسطينيين ستكون منسقة أمنيا معها فإن احتماليات الضم سترتفع بصورة واضحة، وقد يتم الضم فعلا اذا تحققت عوامل سياسية اسرائيلية وإقليمية ودولية أخرى، اذ ان التكلفة الاسرائيلية المحدودة نتيجة ردة فعل فلسطينية ضعيفة هي شرط ضروري ولكنه غير كافٍ لأي قرار اسرائيلي بالضم.

ومن اهم موانع قيام اليمين بتنفيذ افكاره وشعاراته في ضم الضفة الغربية «لدولة اسرائيل» على الرغم من سيطرته على القرار فيها هو خوف قادته وعلى رأسهم نتنياهو ونفتالي بينيت وحتى كبار قادة الجيش والاجهزة الامنية الاسرائيلية من ان يؤدي هذا القرار الى تعرضهم لخطر المحاكمة القانونية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي والتي تعتبر الضفة الغربية مناطق محتلة لا يجوز ضمها وهي تكلفة باهظة وحقيقية اخرى لا يعترف بها علناً قادة اليمين في اسرائيل، لأنها تمس بعنجهيتهم وكبريائهم وخاصةً في عيون انصارهم.

تظهر أحدث التقارير والابحاث الاسرائيلية الموثوقة بأن معارضة قوية ومسلحة من قبل مؤيدي فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لقرار اسرائيلي بضم 60% من اراضي الضفة الغربية – مناطق C ستكلف اسرائيل ثمنا باهظا جدا، حيث سيجبر اسرائيل على إعادة احتلال مناطقA، وسقوط السلطة وبالتالي تولي اسرائيل المسؤولية الكاملة عن كامل الضفة الغربية، مما سيكلفها ووفق ثلاثة من المدراء العامّين السابقين لوزارة المالية الاسرائيلية 52 مليار شيكل سنويا، وذلك كنفقات على الصحة والتعليم وبعض البنى التحتية، ولا يشمل ذلك مليارات الشواكل الأخرى كتكاليف أمنية سنوية.

لقد أشار تقرير اسرائيلي حديث بهذا الشأن إلى أن الضم سيؤدي أيضا لدفع اسرائيل مبلغ 27 مليار شيكل لتغيير شكل الجدار العازل الذي سيؤدي أيضا الى تحويل 66 الف فلسطيني لمواطنين اسرائيليين، فهل تملك اسرائيل القدرة على تحمل هذه التكاليف؟

لا تملك اسرائيل على الارجح القدرة على تحمل تكاليف الضم، خاصة في ظل تراجع قدرة حلفائها في الاقليم والعالم على مساعدتها ماليا وسياسيا، فأمريكا ترامب تستمر في سياسة أوباما في التراجع من الشرق الاوسط، وترامب يعلن انسحابه الفوري من أحد أهم ساحات اسرائيل القتالية وهي الساحة السورية. إضافة الى ذلك فإن ملوك النفط العرب منشغلون في هذه الايام بالدفاع عن عروشهم تحت ضغط الرأي العام العالمي والامريكي بقيادة الاتراك والمطالب بمحاسبتهم على جرائمهم ضد شعوبهم وانتهاكهم الصارخ لحقوق الانسان، كما ظهر جليا في قرار مجلس الشيوخ الامريكي الاخير بشأن اتهام ابن سلمان بالمسؤولية عن مقتل الصحفي خاشقجي، وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن مدى تراجع قدرة ابن سلمان على المبادرة والعمل لمصالح حلفائه.

من الواضح بأن دولة الاحتلال ستفضل بقاء الوضع الراهن في الضفة الغربية كما هو عليه الان فمن جهة واحدة يمكنها الاستمرار في تحمل دفع اكثر من 3 مليارات شيكل سنويا للمستوطنات في الضفة، منها مليار شيكل يخصم من الكفالة الامريكية لإسرائيل، وذلك في اطار حركة بناء لم يسبق لها مثيل في تاريخ الضفة الغربية منذ العام 1967 وفق ما اوردته منظمة «السلام الان» الاسرائيلية الامر الذي يدمر فعليا أي امكانية لحل الدولتين وفي نفس الوقت يسمح بالسيطرة الكاملة والفعلية على مناطق C دون قرار رسمي لهذا التدمير او بذاك الضم ومن جهة ثانية يمكن لإسرائيل العيش في ظل مقاومة فلسطينية محدودة التكاليف ومقيدة النجاعة والفعالية ومكبلة بقيود التعاون الامني بين اجهزة السلطة واسرائيل.

وبناء على ما سبق فإن خيار ضم مناطق C لإسرائيل واقامة كيان فلسطيني محدود ومسخ كما يطرح المستوطنون برعاية نتنياهو هو خيار غير واقعي وباهظ الثمن، وما استمرار تصاعد خطاب الضم الا نتيجة للشعبوية المتزايدة في اسرائيل والتي تشجع على إطلاق الشعارات الرنانة، وتدفع القادة لاتخاذ مواقف وقرارات لا تدعمها في الغالب الجهات المهنية والموضوعية حتى في دولة احتلال كإسرائيل، وكل ذلك متعلق ومرتبط أولا وأخيرا بمدى جدية الرفض والنضال الفلسطيني لهذه المشاريع وتحديدا من قبل حركة فتح والسلطة الفلسطينية.