19.44°القدس
19.21°رام الله
18.3°الخليل
25.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.21°
الخليل18.3°
غزة25.47°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

الإعلام الفلسطيني: في سياق تمدد شبكات الميديا الاجتماعية

15823182_10154374180704755_3056963981013578702_n
15823182_10154374180704755_3056963981013578702_n
د. أحمد حمودة

في البدء كانت الخلفية من وراء رقمّنة الإعلام التقليدي هو أن يكون مواكبّاً للتقنية وأكثر انتشارّا وأكثر قربّاً من المتلقي، في البدء ايضّاً كانت شبكات الميديا الاجتماعية ذات بُعد يهتم بالعلاقات الاجتماعية والمهنية أما اليوم فقد غزتها أيضاً المعلومة والخبر لتتحول إلى فضاءٍ مؤعلّم، أي نافذة للإعلام.

ونحن نرصد كل هذه التحولات، العودة إلى ذلك المثل العربي، " هذا الشبل من ذاك الأسد" في إحالة إلى علاقة شبكات الميديا الاجتماعية-الشبل- بالإعلام التقليدي- الأسد بعد أن غزته الرقّمنة، فلم نعد اليوم ومع الميديا الاجتماعية، أمام جمهور يذهب إلى وسائل الإعلام بل نحن أمام وسائل إعلام عليها أن تتأقلم مع الاستعمالات الجديدة للمتلقي. وربما يعود ذلك إلى تغير الزمن الميدياتيكي، فلم يعد التليفزيون في حاجة إلى أوقات بث الذروة أو هل باتت صحيفة الصباح ضرورية حتى نكون من الأوائل ممن قرأ الأخبار، لقد باتت هذه التقاليد في عداد النسيان اليوم.

لم تعد هناك حاجة إلى أخبار الصحيفة في الصباح وهي طازجة أو أخبار الساعة الثامنة ليلاً التي يبثها التلفزيون.

إن هذا الانقلاب في تقاليد وعادات التلقي بات معطى سوسيولوجيّاً يفرض مقاربة مغايرة في التعامل مع المتلقي وهو ما يفترض تبني مقاربة إعلامية تعتمد على تعدد المحامل أو ما يمكن أن نطلق عليه: عبر الوسائط (Cross media) فالتفكير في المتلقي من خلال مقاربة تعتمد على وسيلة إعلام أحادية في التواصل بات شيئا متجاوزاً معرفيّا وتكنولوجياً، فالحدود بين الوسائط زالت، فماذا بقي للسمعي المرئي في علاقته بالمكتوب؟ وما علاقة الرقمي بغيره من المحامل كالهاتف الجوال؟ لقد دخلنا عصر الاندماج وانصهار الوسائط حيث تتجاوز ذات المضامين على حوامل مختلفة فيعلق عليها وبتبادلها الناس على أكثر من محمّل وهو أمر يحيلنا إلى الاعتقاد بأن وسائل الإعلام هي بصدد الاندثار شيئاً فشيئا تاركة المجال أكثر للمحامل وإن بقيت وسائل إعلام على قيد الحياة فستكون المضامين فيها عابرة فلا هي تنتجها ولا هي توطئها بشكل منفرد، وتتأكد هذه الثورة الإعلامية الجارفة خاصةً في الهجرة اليومية للآلاف من الناس من التواصل مع المعلومة والخبر عبر وسائل إعلام تقليدية إلى وسائل تواصل رقمية ذكية.

إن الجديد في الإعلام الجديد هو زوايا جديدة في حياة البشر لم يتطرّق الإعلام التقليدي أو ليس باستطاعته التطرّق إليها ومعالجتها بحكم وّهن التقنية أو السياقات، وهو ما يجعل منه بالفعل تقليديّاً في مقارتنا له بالإعلام الجديد الذي بات يحتلُّ هامش لم يعّد الإعلام التقليدي قادرّاً على الولوج إليها. فمشاركة الملتقي في عملية النشر، ومقدرته على التفاعل مع المحتويات الإعلامية، وإنتاج المعلومة والتي قد ترقى في بعض الأحيان إلى قيمة الخبر الذي يأته به الصحفي هي كلها مناطق كانت محظورة على الإعلام التقليدي مُجسّداً في الصحافة المكتوبة والإذاعة والتليفزيون في هيئتهما التناظرية وحتى الرقمية.، لذا لا يجب علينا أن نتوقف كثيراً عند مصطلح القديم أو الجديد; لأنه وبكل بساطة فإن القديم وفي فترة تاريخية ما وضمن سياق محدد كان جديداً وأن الجديد الذي نحن بصدد البحث فيه والتهليل بمزاياه سيصبح يوماً ما قديمّاً.

في الإعلام التقليدي يوجد فارق زمني بين تصميم الرسالة وبثها، ولكن مع شبكات الميديا الاجتماعية يوجد ما يمكن أن نطلق عليه: التدوين المباشر، فمن خلال شبكات الميديا الاجتماعي يمكن للمستخدم أن يكون حاضراً وبشكل مباشر في البرنامج دون أن يكون حاضراً جسدياً وهو ما يبرز قيمة الآنية والفورية عملية البث والتلقي، أي أن تكون عملية التواصل متطابقة بين المرسل والرسالة والمتلقي وهو ما يبشّر بضرورة مراجعة مقولة الاتصال الجماهيري التي يكون فيها المتلقي سلبياً والباث مهيّمناً من خلال بثه لرسالة واحدة لجمهور غير متجانس في الميولات وزمن المشاهدة والمستوى الثقافي والاجتماعي.

ليس جديداً إذا ما قلنا: إنه، ومنذ بروز شبكات الميديا الاجتماعية، فإن مهنة الصحافة تواجه العديد من الهزات المهنية وأخرى لها علاقة بتموقعها في المجتمع. وليس غريباً أن يصل الخبر إلى الصحفي من شبكات التواصل الاجتماعي مثله مثل أي مواطن عادي، وهو ما يجعل منها اليوم وغدّاً مصدراً مهماً من مصادر الأخبار للصحفيين، فوزيرة العدل الفرنسية كريستين توبيرا أعلنت استقالتها سنة 2016 من حكومة فرانسوا هولاند على حسابها بتويتر.فتشير كل هذه المتغيرات إلى أن الصحفي لم يعد هو المتحكّم ولا المطلّع الأول على المعلومة والخبر حتى ينشرهما في وسائل الإعلام التقليدية. إن هذا المعطى يجعلنا نقر بأن وسائل الإعلام الفلسطينية غدت أمام حقيقة مفادها أنها لم تعد هي المحمل الوحيد لنشر الأخبار وتداولها.

ونلاحظ أنه كَثُر الحديث في السنوات الأخيرة عن تهديد تطورات الإعلام الرقمي بشكل عام للإعلام التقليدي، واعتبر البعض في العالم العربي-على ضوء ما يحدث في العالم الغربي- أن " الإعلام الرقمي سيكون بديلاً للإعلام التقليدي الذي سيمضي إلى الزوال لا محالة" تماشيًا مع واقع العصر الذي نعيشه، وظهور جيل جديد من المواطن توًّاقٍ إلى محامل إعلامية تتحدث لغته وتفهم تطلعاتّه وتستوعبها وفي مقابل هذه النظرة المتشائمة، يرى آخرون أن الإعلام التقليدي قادر على استيعاب التطورات الحاصلة في مجال الرقمي، وأن الجزم بإختفاؤه أو اندثاره ليس له ما يُبرّرُه، بعد أن نجح المطبوع في التعايش مع الراديو، والتلفزيون. وهنا تبرز إشكالية في إمكانيات الإعلام الرقمي بخصوصيته التفاعلية والتشاركية والتزامنية لتجاوز وسائل الاعلام التقليدي، ومدى قدرة التقليدي على حماية نفسها من رهانات الرقمّنة ليكون مُنافسّاً لصحافة الإعلام الرقمي وليس فقط مُتعيشّاً معه، وهو ما يستدعي البحث في نوع العلاقة المحتملة في ظل الإشكاليات التي تطرحها المنظومة الإعلامية التقليدية التي أصبحت غير قادرة على مكونات تحولات البيئة الاتصالية الجديدة، وفهم علاقة المؤسسات الإعلامية الفلسطينية بالإعلام الرقمي ومستقبلهما.

في سياق هذا الطرح النظري، نلاحظ إن انغلاق المنظومة الإعلامية الفلسطينية على نفسها بطريقة تجعلها غير قادة على مواكبة تحولات المنظومة الاتصالية الجديدة يعد في حدّ ذاته خطرّا على الصحافة التقليدية. لذلك فإن تلك المنظومة مطالبة بالعمل على التكّيف مع البيئة الإعلامية الجديدة، التي فرضت تغّييراً في عالم مهنة الصحافة، وكرّست أساليب جديدة لِتلقّي الجمهور للأخبار والمعلومات، وحّرمت الوسائل الإعلامية التقليدية من الاحتكار الذي كانت تنعم به.. فإن تحسن إدراك المؤسسات الإعلامية الفلسطينية لأثر تكنولوجيا الانترنت على الصحافة التقليدية قد يستمد مشروعيته مما توفره المصادر الرقمية المختلفة من معلومات تُعزّز من محتوى ومضامين وسائل الإعلام التقليدي، تمامّا كما وفرت للصحافيين أدوات جديدة لتطوير مهنتهم. في إطار هذا الطرح قد تساعد مقاربة العقلانية التقنية على فهم طبيعة علاقة الإعلام التقليدي والجديد في سياق تمدد الإعلام الاجتماعي وشبكاته من حيث عّقلنّة الإعلام وتطويعهما تدريجيّا باستثمار التكنولوجيا و العلم، استناداً إلى نظرية – النشوء التعايشي التكافلي- باعتبارهما "خليتين" لا يمكن لإحداهما ان تعيش دون الأخرى.