26.67°القدس
25.79°رام الله
25.53°الخليل
28.32°غزة
26.67° القدس
رام الله25.79°
الخليل25.53°
غزة28.32°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

رغم تصفيتنا معنويا ما زال بعض منا حيّ ويثور

533
533
جلنار (رشا ديرية)

تفقد الأشياء معانيها حين يختفي دورها أو يؤول مع اختلاف الأسباب إلى دور آخر أو عدة أدوار تتنافى مع الجوهر الذي وجدت من أجله، فالقائد الذي يفترض به ممارسه أهم وأخطر الأدوار الاجتماعية والسياسية والأمنية، لم يعد سوى صورة يحركها لاعبو السياسة وأصحاب السلطة الحقيقية والسيادة وأما الهدف وراء حمايتهم للصورة الظاهرة التي تتخذ هيئة قائد أمام الشعب هو مصالحهم في المقام الأول وفي المقام الأخير ولا يتم أخذ الشعب بالاعتبار وهو الذي وجد الرئيس من أجل إدارة شؤونه وحمايته.

لا يخفى على الشعب بأكمله أن وراء الرئيس منظومة حكم ومؤسسة تحكم عنه، وبأن الحكم بحد ذاته مؤسسة تملك النفوذ المطلق، وليس رئيس ينفرد بقراراته مع مستشاريه وممثلي شعبه، وبأن معطيات الحكم كلها ليست إلا مسرحية يؤدي فيها الرئيس دور الحاكم وهو محكوم، ويدرك الشعب وبالأسماء تلك الشخصيات خلف الستار التي تدير العمل المسرحي وتخرجه على نحو منسجم مع النص الذي كُتب ليخدم مصالحهم. ولأن تلك الحالة عامة؛ لن أحددها بجغرافية معينة فما حدث ويحدث في الجزائر من حراك شعبي رفضاً لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة، مجرد مثال ينادي ذاكرتنا وأفكارنا للتأمل وامتداداً لجغرافيا عربية ما زات تحصد يومياً آلاف الشهداء والقتلى والمعتقلين.

تساءلت مراراً عن أولئك الذين يرفضون ترك كراسي الرئاسة خلفهم رغم انتفاضات شعوبهم وانقلابهم عليهم، كيف يتصالحون مع كونهم دمى تحركهم قوى الدول العظمى بينما يمارسون سطوتهم على شعوبهم فقط، ما الذي يجعلهم أسرى الحكم إن كانوا يفقدون السيطرة التامة عليه في أغلب الأحيان، إلى إن وجدت تفسيراً لدى ميكافيللي حين قال "إن الناس يحزنون لانتزاع ملكية منهم، حزناً يفوق حزنهم على موت أب وأخ، لأن الموت يُنسى أما الثروة فلا تنسى أبداً".

المعاني والعبر والقيم تلك كانت الأعمدة الأساسية لبناء شخصية الفرد، جميعها أُبيدت ولا شيء محدد حل مكانها لذا نجد أنفسنا نتعايش مع مفاهيم ذات معايير مزدوجة، الإرهاب، والرئاسة، والحق، والموت، والشرعية، والدولة، والأرض، والانتماء. كلها تحمل العديد من المعاني، ستراها بشكل مغاير كلما تنسى لك تغيير العين التي ترى من خلالها، وبسلطة الإعلام يتلون المشهد بألف لون وأكثر.

كل ما يحدث حولنا يزيد هذ العالم ضبابية وشحوباً وجعل منا أجسادنا بلا أرواح، داخلنا ميت بلا شك، وعقولنا وأفئدتنا وضمائرنا مزدحمة بالفراغ، أضحينا مجرد قوالب واندثرنا مضموماً، ذلك ما يحدث حين نفقد أيقوناتنا التي كان لها الدور الأكبر في جذب وشحن دواخلنا لنحلم ونفكر ومن ثم نسعى لأن نحقق ذوات تشبه تلك النماذج الخارقة التي كنا نلمح نجمها متقداً من بعيد نحاول بجهود يغلفها الأمل أن نتبع خطواتها، فلم يعد هناك مثال جدير يثير اهتمامنا، نحن والنماذج التي سبق وأن ألهمتنا نعاني من تمزق داخلي، وأما الظاهر منا فلا يعدو كونه ستار هش لا يخفي الكثير من الهشاشة التي يحتويها.

وبعد.

أصبحنا شخصيات اعتبارية يعطيها القانون شرعية الوجود بينما تقذفها الإنسانية في فوضى العدم. ذلك ما يجعل الإنسان مجرد كيان تخلو منه الكينونة. ورغم تصفيتنا معنوياً ما زال بعض منا حيّ ويثور نيابة عنا لعل ثورته توقظ بقايا الحياة فينا. شكراً للأحياء منا الذين يعلمونا معنى الوجود.