لا أدري هل هي فرحة أم حزن أم مزيج من كلا التوجهين, حين أرى طلبة المدارس بِزِيِّهم الجديد ينفرون أفواجاً نحو مدارسهم. حالة من الترجي مع البكاء أثارتها ابنتي الصغيرة "حلا" ابنة الثلاثة أعوام وهي تريد أن تذهب إلى المدرسة كما عمتها الصغيرة في الصف الأول الابتدائي, ثم قلصت طموحها فطلبت مني الذهاب إلى "الروضة" على الأقل, وأنا أعرف أنها فرحة الزي الجديد والاستيقاظ مبكراً للأيام الأولى له جماله, وبعدها يصبح الزي مملاً, قديماً, والاستيقاظ كنزع الروح من الجسد. امسكت يد "حلا" وحاولت أن أقنعها بأنها ستذهب إلى المدرسة بعد عامين, وقلت في نفسي.. مسكينة, ستستيقظين مبكراً كل اليوم, "غاص من عنِّك", وتطلبين مني أن تغيبي عشرات المرات, وسأضطر لتوبيخك والتعامل بقسوة معكي.... فلا تستعجلي. لا تستعجلي حبيبتي , فستحملين طناً من الكتب, والدفاتر, والأقلام, في حقيبتك المدرسية, وسيبدأ ظهرك بالرجوع إلى الوراء من ثقل الحقيبة. لا تستعجلي أيتها البريئة اللطيفة, "بَدْرِي" على أن تتحولي إلى "روبرت" آلي بعد أن يبرمج الأستاذ الفصل بالكامل, اجلسي هنا, ولا تتكلمي..... وإن سألتي أي سؤال في المنهج سيقول لك المعلم: "لِيشْ بْتِسْتَعْجِلِي جَايِينْ لَلْمَوضُوع", وإن سألت سؤالاً غير موجود في المنهج سيقول لك المعلم: " هذا السؤال مش موجود في المنهج , وغير مطلوب". ستتقاتلين مع الحروف والكلمات, والجغرافيا والتاريخ, والرياضيات, والأحياء بطريقة نظرية مملة قاتلة مقتولة, لن تدع تفكيرك يتحرك مل متراً واحداً, دون تطبيقات عملية, وستستمعين إلى مصطلحات كبيرة عظيمة, تمر عليك مرور الكرام وبعد الامتحان تزول. ستمر عليك يومياً 6 من الحصص تأخذينها كجرعة دواء عيار "1000", ثلاث من الحصص, وبعدها استراحة لمدة ربع ساعة لا تكفي لشرب الماء, ثم ثلاث حصص أخرى, بوجود 45 طالباً وأحياناً 52 طالب –كما كان في فصلي وأنا صغير- منهم الذكي والغبي والنظيف والقذر والراسب والمعاق, وسيزداد الغبي غباءً, والقذر قذارة, فالمدرس لا يستخدم العصا لأنها ممنوعة بقوانين فوقية, والطالب إن ضُرِبَ سَيُشْكَي المدرس, ويُفْصَلْ, فيصبح مبدأ المدرس "وأنا مَالِي". يا ليتني أعود طفلاً ألعب بفرد "الطُّقِّيع", و"الميًّة" قبل أن أدخل المدارس.