كان واضحا حجم التوتر على محمود عباس وهو يلقي خطابة اليوم ويمكن أن نطلق على خطابه بخطاب مأزوم ويعبر بشكل كبير على حالة التوتر التي يعيشها محمود عباس وسلطته في رام الله سواء على الصعيد السياسي أو الداخلي أو العلاقة مع الاحتلال الصهيوني. في خطابه استعرض أبو مازن الحالة الفلسطينية بشكل دقيق وغير خفي على المواطن الفلسطيني الذي يعرف تفاصيل أكثر مما تحدث به عباس، وكان خطابا هروبيا لم يقدم فيه أي حلول يمكن أن تعالج الأزمات القائمة وهذا إن دل فهو يدل على أن الرجل فقد كل الأوراق ولم يعد لديه أي خيار. فعلى الصعيد السياسي هناك انغلاق في الأفق السياسي ومشروع التسوية مع الاحتلال ولم يجد عباس حلا للهروب إلا اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل عضوية غير كاملة وهي نفس الصفة التي تتمتع بها فلسطين من خلال المنظمة بصفة مراقب ، وفي أي من الحالتين لن يزيد ذلك على الجانب الفلسطيني جديد ولن يقدم ذلك كثيرا من تغيير في الموقف الدولي. على صعيد الأوضاع الداخلية والتظاهرات والاحتجاجات على الغلاء والفساد والتعاون الأمني وحالة الفلتان التي تشهدها الضفة الغربية أكد عباس أن الاحتجاجات مشروعة على أن تكون سلمية دون تعدي على الأموال العامة أو الخاصة وهنا اتفق معه في ذلك لأن هذه الأموال وهذه المصالح والمؤسسات هي ملك للشعب وليست لفياض أو عباس يجب الحفاظ عليها لا تدميرها وفي المقابل كان المفترض أن يقدم عباس حلول للأزمة بل حمل المواطن جزء من الأزمة وزاد الطين بله عندما أكد أن السلطة لن تصرف هذا الشهر رواتب كاملة. ما قام به عباس من استعراض للوضع الفلسطيني هو تشخيص كان فيه عباس كأي مراقب للوضع وليس كمسئول عن سلطة لأنه لم يقدم حلول للمشاكل ووزع المسئوليات والأحمال تارة على المجتمع الدولي وأخرى على المواطن الفلسطيني التاجر منه وغير التاجر وأخرى على الدول العربية . كان واضحا من خطاب عباس أن العلاقة مع الرئيس المصري محمد مرسي على غير ما يرام وإن لم يكن بشكل مباشر، فعندما قال أن هناك مواقف عربية تقول أنها على مسافة واحدة من الفلسطينيين وهو هنا يعني فتح وحماس واعتبر ذلك مساواة بين الطرفين وهذه المساواة مرفوضة من قبله، كما أنه تحدث بلهجة تهكمية أيضا على موقف الرئيس المصري من الانقسام والذي يؤكد على أن الفلسطينيين يجب أن يتوافقوا أولا مع بعضهم البعض، لأن محمود عباس يريد من مصر الثورة أن تكون على نفس المنهج الذي كانت عليه في زمن مبارك وهو الانحياز لعباس والعداء مع حماس وان تتبع فرض سياسة الاملاءات والتهديدات والضغوطات وهذا ترفضه حكومة مرسي. أما موضوع المصالحة فيبدو أن القرار لدى عباس هو إغلاق باب المصالحة لأن من يعتبر أن المصالحة هي الانتخابات فهو يسد باب الحديث عن المصالحة ويضرب بعرض الحائط اتفاقي الدوحة والقاهرة التي اعتبرت الاتفاق هو اتفاق رزمة وغير قابل للانتقائية، والسؤال الأهم هل هناك انتخابات في ظل بيئة سياسية قمعية وحالة إرهاب فكري واعتقالات واستدعاءات؟، كيف يستقيم أمر الانتخابات والكل ملاحق لا يحق له أن يمارس أي نشاط سياسي، مقموع .. مطارد مهدد بالاعتقال أو الملاحقة سواء من أجهزة السلطة أو الاحتلال. عباس تظاهر بعدم معرفته لبعض المصطلحات حول ما جرى من أحداث هل هي حسم عسكري أو سياسي وأكد أنها انقلاب وتحدث عن جملة أمور متعلقة بغزة مغلوطة وغير دقيقة وخاصة ما يتعلق بالمقاصة والتي سلمت كلها إلى الحكومة في رام الله منذ فترة طويلة وهذا يوضح أن الهدف هو التشويه المتعمد خاصة عندما قال أن أموال المقاصة التي لا تسلم من الحكومة في غزة لحكومة رام تذهب إلى الجيش الإسرائيلي. ثم تطرق عباس إلى الشرعيات ، وعندما تحدث عن التمثيل الفلسطيني رافضا أن يقسم هذا التمثيل مؤكدا على أن حكومة هنية غير شرعية في مخالفة للقانون الفلسطيني الذي يعتبر أن الحكومة المقالة تنتهي ولايتها عندما تنال الحكومة المعينة ثقة المجلس التشريعي وطالما أن حكومة فياض لم تنل ثقة المجلس تبقى حكومة هنية هي حكومة تصريف أعمال وتكسب شرعيتها من القانون الفلسطيني، وإذا اعتبرنا أن حكومة هنية فاقدة للشرعية فهل محمود عباس له شرعية بعد أن انتهت فترة ولايته ولا يوجد في القانون الفلسطيني ما يمنحه شرعية على غرار شرعية هنية. عباس وقع في مغالطة عندما قال لا نسمح أن توجه دعوات إلى هنية بصفته رئيسا للوزراء ، وأن استقباله بهذه الصفة يزيد الانقسام ويبدو أن الانتقاد كان موجها إلى مصر التي استقبلت هنية كرئيس للوزراء ، والمغالطة أن عباس يريد أن يُستأذن من قبل الرئيس المصري لتحديد الصفة التي يُستقبل بها هنية في قصر الرئاسة المصرية وهذه أيضا قضية يبدو أنها من نقاط الخلاف مع الرئيس المصري خلال لقائه الأخير بمحمود عباس في القاهرة. صحيح أن الاحتلال مسئول بشكل كبير عن الأزمة المالية في السلطة ولكن في نفس الوقت أدارة المال المقدم للسلطة من أمريكا والعالم إدارة فاسدة كما أن حجم الفساد المستشري في السلطة كبير وهو ما اثر على الوضع الاقتصادي المتردي إلى جانب انتشار الفوضى الأمنية ونهج تصفية الحسابات الذي أخذ يستشري في الضفة الغربية والتي كان آخرها مقتل نائب رئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة. كما أن عباس مارس تحريضا على قطاع غزة من خلال الحديث عن الأنفاق هذا التحريض ممزوج بمعلومات مغلوطة عن أصحاب الملايين في إشارة إلى حركة حماس من خلال الغمز على لجنة الإنفاق في الحكومة ، وكأن الأمر نوع من حسد المعيشة حيث أن أزمة قطاع غزة اخف بكثير من أزمة الضفة نتيجة الإبداع الذي أوجدته الحكومة وكذلك نظافة اليد وقلة الفساد المالي وان كان هناك شيء من سوء الإدارة بشكل عام. أتمنى على حماس والحكومة الفلسطينية أن لا تنجر خلف التراشق الإعلامي وأن تربأ بنفسها من الخوض في جدل عقيم وتراشق إعلامي يضر خاصة أن ما تحدث به عباس لم يكن جديدا بل ربما حاول أن يكون مأدبا في بعض عباراته عندما تحدث عن حماس التي حملها جزء كبير من الأزمة وتحميل الانقسام الأزمة المالية .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.