كان لبعض الرؤوساء على صلاحهم أو طلاحهم هيبة وكاريزما، فكانت الشعوب تستمع لعبدالناصر وهي تقف على قدم وتكاد تسمع صوت الإبرة لو وقعت على الأرض، وكذلك كان هتلر وبعض رؤساء أمريكا، وآخرهم كلينتون من حضور العبارة والمنطق والحجة وانسيابية الأداء؛ ما يجعل المشاهد والسامع يقف ليرى ما في جعبتهم، وبغض النظر عما كشفه التاريخ عنهم إلا أن الأعناق كانت تشرئب إليهم، وشكلت خطاباتهم نقطة تحول في ذاكرة الناس ومجريات الأحداث إما تحقيقا أو تضليلا. إلا أن هذا لا ينطبق على المسمى "الرئيس الفلسطيني" بأي شكل من الأشكال، فالمتابع خطاباته ومضمونه بغض النظر عن انتمائه الفصائلي، وإذا كان منصفا ومواليا للقضية قبل شخوصها، يرى أن خطاباته تنزع الهيبة من صفة رئيس الدولة بما فيها من افتقار للدبلوماسية والهذرفة والهذرمة، ناهيك عن السياق التراكمي لسيل من الخطابات المماثلة المسبوقة، المشفوعة بالتفريط في القضية الفلسطينية والمقدسات وحقوق الشعب الفلسطيني فوق الطاولة وتحت الطاولة، مما أفقدنا الثقة والاحترام للمرسل والرسالة، فذات الإعلام الذي يبث خطابات "الرئيس" يكشف لنا -مقروءاً ومرئيا ومسموعا- عن خفايا الفضائح والفساد الطام التي لم تغادر إلا قلة وضعوا قصرا في الصفوف الخلفية المنفية عن دائرة القرار والتمثيل الفلسطيني، لتصبح السلطة كالمافيات الروسية والإيطالية تتحكم بحياة الشعب وأرضه وقراره، وتأخذ نسبة من العدو الصهيوني مقابل التنسيق الأمني والقيام بواجب الشرطي عنه،والمؤلم أن الشعب الفلسطيني الذي شهد العالم الحر المنصف لتضحياته وتحدثت عنه دماؤه بات مجللا بالخزي والعار عندما تمثله زمرة تحسن التخاذل والانبطاح تحت أقدام العدو، فنحن كما قيل نملك أعدل قضية ولكن بأسوأ ناطقين وممثلين لها! ولكن العدو يعرف وعرف في غزة مؤخرا أن الشعب غير رئيسه، وأن حكي القرايا وحساب السرايا مختلفان، وأن عباساً وزمرة رام الله لا يمثلون سوى أنفسهم والمنتفعين من أمثالهم. إن مصالحة يقودها أمثال عباس محكوم عليها بالفشل، وقد آن للأطراف الأخرى -مشاركة وراعية- أن تدرك ذلك ولا تعول على قيادة فاقدة الصلاحية القانونية والشرعية والتمثيلية، لا تملك أن تحكم على شبر من الأرض تحت أقدامها، وحصار المقاطعة في زمن سابق يشهد على ذلك. ما نعول عليه هو أن الانتفاضة التي جعلت العدو الصهيوني على قوته وجبروته ينخ ذات يوم، قادرة على أن "تبط" دملا داخليا وتبتر عضوا ميتا يعيقها فلا يمكن أن نتحرر من العدو ونحن محتلون داخليا! وليحذر أهل الضفة من أن يشغلوهم باللقمة والهدمة كما شغل زعماء العرب شعوبهم حتى مرغوا كرامتهم في الوحل، فلقد رضي الفلسطينيون أن يسفوا التراب، لا أن يتطاول عليهم الصهاينة. أما عباس الذي لم يسعدنا نطقه ولا حاله وسرق الخيل والمال، فهو لا يمثلنا لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دينيا ولا إنسانيا ولا سياسيا، لا يمثلنا فلسطينيين وعربا ومسلمين، ننظر إلى فلسطين كقضية وقف مقدس لا يجوز التنازل عن شبر منها، سوى من عزم على تحريرها من البحر إلى النهر. في أيام المجد كان الرؤوساء يأخذون ألقابهم من أفعالهم، فكان المعز لدين الله والناصر والمؤيد وغيرهم، أما عباس فسيخلد في التاريخ كرئيس منتهي الصلاحية، والبضاعة المنتهية الصلاحية لها مكان معروف حتى لا تؤذي البشرية. لقد تأخر الشعب الفلسطيني عن ربيعه الداخلي، وكان الأولى به أن يثور بعد أن كشف الإعلام عن وثائق التفريط بالقدس والمسجد الأقصى؛ كي لا يتحقق فينا قول جولدا مائير يوم حُرق المسجد الأقصى إذ قالت: "لم أنم ليلتها! وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجاً من كل حدب وصوب، لكن عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمة نائمة" فلسطين التي علمت العالم كيف تنتج الفصول كلها حرية، لن يعجزها ربيع داخلي لتزهر المقاومة والشرف والحق من جديد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.