18.57°القدس
18.23°رام الله
17.19°الخليل
24.32°غزة
18.57° القدس
رام الله18.23°
الخليل17.19°
غزة24.32°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

عندما تجتاحنا المشاعر الصادقة

533
533
لحبيب آيت أ صالح

في اللقاء الأول، عندما تأخذنا الصدفة إلى المواعيد الغير متوقعة، عندما نصادف شخصا يثير إعجابنا في اللحظة التي لم نخطط فيها لكل ما يثير هذا الإعجاب في دواخلنا، حينها نذوب في تفاصيل اللحظة، ونلعب على وتر الإمساك بالحبل الذي سيُعجّل بإيقاظ تلك المشاعر، والتي تُعلّمنا المواقف أن ندفنها، حينئذ تتملكنا رغبة قوية في الاقتراب من الغريب، ونحاول استكشاف خبايا شخصيته، وبقدر ما يكون هناك انسجام في ما يدور في الخفاء، تتعمد الفرصة أن تستولي على نصيبها مما منحتنا إياه، فلا نتردد في طلب المزيد، بعد ذلك تجتاحنا مشاعر قوية نحو الغريب الذي قد تدفعه الصدفة لأن يصير قريب، لنكون معه، لنشعر به، ونرغب في أن نستمتع بالحياة معه.

في ظل هذه المشاعر التي لا نتيقن منها أحيانا، يجب أن نكون حذرين حتى لا نتوهم مشاعر كاذبة، المشاعر التي لا تليق بما نحاول أن نكونه رغم أنف الحياة، المشاعر الكاذبة لن ترحمنا عندما ننميها من حيث لا ندري، وعندما نُشعر بها الطرف الآخر الذي لا يملك بدوره إلا السباحة مع تيار العواطف، هذا الغريب -القريب- يمكن أن تتملكه نفس المشاعر، وقد تكون أقوى مما نشعر، ولذلك لا ينبغي أن نمارس كذبتنا وشرنا خصوصا في العلاقات الإنسانية، فإذا لم ندرك حقيقة وقوة ما نستشعره تجاه الآخر، يُستحسن أن نتريث قبل أن نقرر الخوض معه، حتى لا نخسره، ونخسر معه كل ما يجعل قلوبنا أجمل، إذ من الجميل أن نتريث وندع الفرصة للوقت، لكن الأجمل، أن نتأكد من مشاعرنا، فإن كانت حقيقية، فمن الرائع أن نغامر من أجلها، ونبرزها للآخر، أما إذا كان هناك غموض حولها، فالوقت كفيل بإبراز ما تنطوي عليه من حقيقة وما نضمره من مشاعر، فما أجمل أن يكون لنا قلب حامل لمشاعر صادقة.

عادة ما تنطوي علاقاتنا الإنسانية على الغموض في بدايتها، لكن هذه البداية يمكن أن تحدد المصير الذي ينتظرها، فبقدر ما تكون المشاعر قوية فيها، وبقدر ما يكون الوضوح والصراحة موجودان بكل جرأة وصدق، وبقدر ما يكون الطرفان مستعدان للدخول في غمار أعقد التجارب الإنسانية، بهذا القدر يمكن تحديد مدى نجاح العلاقة وفشلها، ذلك أن غياب الصراحة والصدق والمشاعر القوية الصادقة، لن يجعل العلاقة تنتصر، ولن يكون النجاح حليفا لها، لأن العلاقات الإنسانية معقدة، فإذا أضفنا إليها تعقيدات أخرى مرتبطة بعدم ممارسة الصراحة، وعدم التأكد من المشاعر، وغياب الثقة، فتلك أمور تُعقد من هذه العلاقة، وتجعل فشلها وارد لا محالة، فإذا كانت العلاقات الإنسانية محكومة بهذا الغموض، كان من الحكمة أن نمارس ما يليق بالإنسان في هذا الصدد، وأفضل ما يمكن للمرء أن يمارسه هو الصدق والصراحة، ومحاولة تدريب النفس على ذلك قد تفي بالغرض، وتجعلنا نقتنع بمن قررنا أن نشاركهم جزء من حياتنا، ولما لا كلها.

نحن البشر محكومون برغبة غريبة في الجنس الآخر، هذه الرغبة تدفعنا للبحث عن الآخر، أحيانا نقوم بالأمر بإرادتنا في اللحظة التي يُظهر فيها الآخر نفس الإرادة، وأحيانا أخرى تتدخل الصدفة لكي تمارس نصيبها من الإغواء، وحيال الصدفة لا نملك إلا أن نغامر، لكن من الحكمة أن نؤسس لهذه المغامرة على مشاعر صادقة، وأن يكون لنا من الجرأة ما يكفي لكي نعبر عن هذه المشاعر، أو أن نقول الصراحة عندما لا تعجبنا الصدفة، وأن لا نمارس دور الصادق من أجل نزوات لا تليق، حتى لا ندخل في سياق تعريف الحب بالكذبة الصادقة، ذلك أن اللعب بمشاعر الآخرين صعب ومعقد، فقد نفوز باللعبة، وسنخسرها في اللحظة التي ستكون الأمور قد خرجت عن سيطرتنا. أحيانا تصير هذه المشاعر مجرد لعبة ينتهكها البشر بقسوتهم، والواقع يؤكد على أنها ليست أكثر من لعبة يمارسها من يفقد السيطرة على سلوكه، إلا أن المشاعر في الحقيقة، المشاعر الصادقة، يجب أن نكون مستعدين للتعبير عنها والدفاع عنها، والمغامرة من أجلها، حتى نمسك بالحياة في قلوبنا.

تمسكنا الحياة بعيدا عن تعقلنا وعقلانيتنا لتجعلنا نرى في الآخر فرصة النجاة، فنحاول بكل ما ملكنا من رغبة أن يكون الآخر من نصيبنا، وما أجمل أن يبادلنا هذا الشعور، أحيانا لا نجد ذواتنا إلا في الآخر أو مع الآخر، رغم أن الأصل في إيجاد الذات يتأسس على ذواتنا، لكن ما يتملكنا صوب الآخر يجبرنا على التنازل عن كل ما يُمثّلنا، لكي نهب ذواتنا فرصة الظهور انطلاقا مما نحسه مع الآخر، ولعل هذا الإحساس يستعصي على الفهم، فلا نملك إلا أن نتمادى ونطلب هذا الإحساس بكل ما فيه من رغبة، وفي النهاية لا يكون من نصيبنا إلا تلك الأحاسيس الصادقة، أما ما عدا ذلك، فسرعان ما ينجلي في غياهيب النسيان، لأنه لم يكن مبنيا على نظرة عميقة إلى الروح الانسانية، بقدر ما كان نظرة جسدية تزيح عن الأحاسيس قداستها.

ربما الوقت كفيل بأن يدفعنا لنتقبل كل ما نرفضه، في مقابل أن نرفض كل ما كان يبدو لنا من المستبعد أن نخوض فيه، ولعل لعبة المشاعر عسيرة للغاية، ومن الصعب التكهن بما تنطوي عليه من إرادة، فهي تدفعنا تارة لنطلب المزيد رغم أننا ندرك تماما هزيمتنا، وأحيانا تشجعنا على التراجع في الوقت الذي يكون كل شيء متاحا لنا، لكن الأفضل فيها هو أنه عندما تكون مبنية على أساس صادق، الأساس الذي نستشعر أنه متبادل ولو كان غير واضح، هذا الشعور قد يكون صائب وقد يكون غير ذلك، لكننا مجبرون على اتباع أحاسيسنا عندما تجذبنا بقوة، لأنها في الغالب تنطوي على حقيقة لا ندركها إلا بعد أن نجد الطرف الآخر متورطا فينا بكل رفض، فبقدر ما نرفض الآخر أو يرفضنا، بقدر ما نتورط فيه، وبنفس القدر نجد ذواتنا متعلقة به، في انتظار أن نتمكن من تقبل الخسارة وتحملها، أو أن نفوز بالمعركة بكل ما فيها من تمرد وعصيان، وبكل ما تخبئه من حب، وبكل ما تدفعنا به إلى طلب المزيد.

عندما نتحدث عن مشاعر صادقة بالمعنى المقنع للكلمة، فإننا ندخل في شعور يستعصي على الوصف، ومن خلال ما يجتاحنا من مشاعر صادقة نتورط في الآخر رغم كل العوائق، ولا نكترث للأمر، لأنه عندما ننصهر في الآخر وفق ما دفعتنا إليه مشاعرنا، فإننا لا نتردد في البحث عنه رغم كل ما يميز الكائنات البشرية من فروق واختلافات، نتجاوز ما يجعلنا نختلف، ونجتمع حول ما يتولد بداخلنا، نجتمع دون أن ندري، نلتقي صدفة في اللحظة التي ننسى فيها أننا مهددون بالانصياع للمشاعر، فقد نرفض هذه المشاعر ونرفض هذه العلاقات الإنسانية، لكننا في لحظة ما، في لحظة عطش مشاعري ننسى أنفسنا، وتأخذنا الصدفة لكي نختبر ما بقي من حياة في مشاعرنا، حينها نكتشف أن المشاعر وجدت لكي نتبادلها ونشعر بها رغم ما فيها من قساوة وألم، وأنه لا يليق بنا أن ندفن مشاعرنا خوفا من أن يجرحها أحدهم، لأنه هكذا يمكن أن ينتهي أجَل قلوبنا، ولذلك لابد من الامساك بالمشاعر في اللحظة التي تنتابنا بصدق، وأن لا ندع هذه الفرصة تضيع، وأن نكون إيجابيين قدر الإمكان، حتى لا تنتهكنا تشاؤمية العلاقات الإنسانية.

في العلاقات الإنسانية ننشد الصداقة ونستحسنها، لكن ما إن نتورط في الآخر حتى نجد أنفسنا مجبرين على تجاوز الصداقة في سبيل البحث عما يشفي غليل مشاعرنا، وندرك بيقين أن لعبة المشاعر أعسر من أن نخوضها كما ينبغي، فاحتمالية الهزيمة ممكنة، أما الفوز فلن يكون حليفنا إلا عندما نكون قد اقتنعنا تماما باختيارنا، وهكذا لن تفي الصداقة بالغرض في علاقاتنا -تلك التي نذوب فيها مشاعرنا- فلا نملك إلا أن نخوض علاقة عاطفية يمكن أن تسعفنا لنكتشف ذواتنا أكثر ونرى مدى صدق مشاعرنا، أو أنها قد تنهي روابط المحبة بشكل مؤسف  خصوصا عندما نخوض هذه العلاقات بدون اقتناع، وبدون يقين تام من قدرتنا على الحب، فنضطر إلى ممارسة البروتوكول المتعارف عليه في هذا الصدد، إلى أن يحين وقت الرحيل، فننتظر الأسباب التي يمكن أن تعجل بهذا الرحيل، ثم ما ننفك نرسل ما كذبنا بشأنه إلى الضياع، وننتظر من يبادر أولا لإصلاح هذا الضياع، وبين أحضان هذا الانتظار تضيع علاقتنا، ونضيع في اكتساب القدرة على امتلاك أصدق المشاعر.