حذرت أوساط إيرانية من تداعيات عمل الآلية المالية لتسديد مستحقات بيع الغاز والكهرباء للعراق، ووصفت القبول بالقيود المطروحة فيها بأنه رضوخ للعقوبات الأميركية، في حين طالب آخرون بإنشاء مدن صناعية مشتركة لتصدير البضائع الإيرانية إلى الدول الأخرى.
وبعد ثمانية أشهر من توقيع المصرف المركزي الإيراني ونظيره العراقي، اتفاقية بشأن إطلاق آلية مالية لتسديد الديون المستحقة لصالح طهران، لا تزال الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية تعرقل عمل المؤسسات العراقية مع الأطراف الإيرانية.
وفیما أعلن الجانب العراقي أن نشاط هذه الآلية سيتم عن طريق إيداع حكومة بغداد معادل المستحقات الإيرانية في بنك التجارة العراقي بالدينار العراقي، حذرت أوساط إيرانية من أن المصرف العراقي يعتبر من أكثر البنوك العراقية تنفيذا للعقوبات الأميركية، فضلا عن أن الجانب العراقي لا يزال يرفض سحب طهران تلك الأموال من مصرفه.
ونقلت صحيفة "ابتكار" الإيرانية الناطقة بالفارسية، عن مسؤول عراقي رفيع -لم تكشف هويته- أنه لا يحق لإيران سحب مستحقاتها من بنك التجارة العراقي، بل سيسمح لها فقط بشراء البضائع التي لا تشملها العقوبات، مثل الغذاء والدواء، من خارج العراق.
تداعيات سلبية
من جانبه، حذر الباحث في الاقتصاد السياسي مهدي مظهر، من التداعيات السلبية لعمل الآلية على العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق، واصفا القبول بالقيود المطروحة وعدم السماح لإيران بسحب أموالها بأنه رضوخ للعقوبات الأميركية.
وأشار إلى أن علاقة البنك العراقي بالمؤسسات المصرفية الأميركية، تعد ورقة ضغط بيد الإدارة الأميركية ستستغلها لصالح سياساتها، ما يعني زيادة الهيمنة الأميركية على التجارة العراقية الإيرانية.
ووفق مظهر، فإن آلية "الإنستكس العراقي" (شبيهة بآلية إنستكس الأوروبية لدعم التجارة مع إيران بعيدا عن العقوبات الأميركية) تخير إيران بين تراكم مستحقاتها جراء مواصلة مد حكومة بغداد بالكهرباء والغاز في بنك التجارة العراقي، أو فقدانها سوق الطاقة لدی جارتها الغربية إذا ما قررت خفض صادراتها من الكهرباء والغاز إلى العراق.
ويقترح مراقبون في إيران إنشاء فرع لأحد البنوك الإيرانية في العراق ليحل محل بنك التجارة العراقي، للحيلولة دون وصول بيانات التجارة الثنائية لأميركا ومنعها من السيطرة على مجريات التعاون الاقتصادي بين طهران وبغداد، كما أن هناك من يرى أحد البنوك العراقية التي لا تخضع للعقوبات الأميركية خيارا مناسبا للقيام بهذه المهمة.
وفي السياق، أعلن رئيس نادي البنوك الأهلية الإيرانية وروش برويزيان، الأسبوع الماضي، أن أحد البنوك الإيرانية حصل على تصريح من البنك المركزي العراقي لتأسيس سبعة فروع له في العراق، وأن هذه الخطوة جاءت لدعم الصادرات الإيرانية إلى العراق.
كما أعلن المسؤول الإيراني استعداد البنوك والمؤسسات المالية الأهلية في بلاده لتوفير التمويل اللازم لتصدير الخدمات الفنية والهندسية إلى العراق.
تعقيد وتدخل
علی صعيد متصل، أوضح الباحث الاقتصادي مهدي أزرقي أن بنك "جي بي مورغان" الأميركي يشرف على جميع تعاملات بنك التجارة العراقي باعتباره الجهة المؤسسة له، مما سيفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأميركي حتى بشأن شراء البضائع التي لا تشملها العقوبات.
ويذهب طيف من مراقبي الشأن الاقتصادي إلى أن الحكومة الإيرانية حاولت إيجاد آليات للتبادل المالي مع بعض الدول التي ترغب بالتعاون التجاري معها على غرار الآلية الأوروبية "إنستكس"، قبل التأكد من جدوى الأخيرة.
وعبر أزرقي عن اعتقاده بأن حكومة طهران زادت عمليات التعاون التجاري مع بغداد تعقيدا بقبولها قيود الآلية دون أن تأخذ تداعيات وتهديدات عملها بالحسبان، موضحا أن إيران كانت تحصل على مستحقاتها من العراق بعد فترة من التأخير دون أن يكون لأميركا أي سبيل لمراقبتها.
مفاوضات مستمرة
في المقابل، كشف السفير العراقي لدى طهران سعد جواد قندیل، عن استمرار المفاوضات بين المركزي العراقي ونظيره الإيراني للتوصل إلى حل لتسديد المستحقات الإيرانية، مؤكدا أن ما يعرف بالإنستكس العراقي ليس سوى أحد المقترحات لتسديد الديون.
وأوضح الدبلوماسي العراقي، أن الهدف من الآلية هو وضع حلول لتسلم إيران حقوقها من الديون، لكن على شكل مواد إنسانية حتى يتم التعامل معها بطريقة قانونية ضمن العقوبات الأميركية والإعفاءات الموجودة في المجال الإنساني.
وأشار السفير في تصريح صحفي، إلى أن هناك آليات مقترحة لتسديد أموال الصادرات الإيرانية من قبيل التعامل بغير الدولار والتعامل بالعملة العراقية لكن لم يعلن عنها بصورة رسمية، مؤكدا أن العراق مستمر في طلب الغاز والكهرباء من إيران.
مدن صناعية مشتركة
وفيما كشف وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، عن أن مستحقات بلاده جراء تصدير الكهرباء والغاز إلى العراق بلغت ملياري دولار.
ووصف منتقدو آلية الإنستكس العراقي بأنها لا جدوى منها، نظرا إلى أن حجم الواردات الإيرانية من العراق قليل جدا مقارنة مع صادراتها.
وفي خطوة قد ترفع الواردات الإيرانية عبر العراق فضلا عن فتحها بابا للالتفاف على العقوبات الأميركية، حث رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة حميد حسيني الجانبين العراقي والإيراني على إنشاء مدن صناعية مشتركة حدودية، لتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي وتوفير الأرضية اللازمة لتصدير البضائع الإيرانية إلى الدول الأخرى.
ويمثل العراق الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في الوقت الراهن عشرة مليارات دولار سنويا، في حين تتطلع طهران إلى رفع حجم التبادل التجاري مع العراق إلى عشرين مليارا خلال المرحلة المقبلة.