22.78°القدس
22.48°رام الله
21.64°الخليل
26.32°غزة
22.78° القدس
رام الله22.48°
الخليل21.64°
غزة26.32°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

وليد خالد قصة الاعتقال ليست حكراً على سجون الاحتلال

خبر: في الضفة.. يضرب الكتّاب والأدباء عن الكلام

كان منشغلاً بجمع أوراقه وأدواته حين قطعت خلوته طرقاتٌ قاسيةٌ على باب البيت.. أطرق الصمت للحظاتٍ كسرها ارتفاع أصوات الطارقين، خاب ظن "أبو خالد" هذه المرة، لقد نطقوها بالفصحى دون عوج الخاء فقالوا: "افتح الباب". لم يكن الاعتقال بذاته غريباً على الكاتب الصحفي والروائي الأديب "وليد خالد"، فالرجل ذو الأربعين عاماً الذي اعتقلته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ليلة الثلاثاء الماضي شابت ناصيته في سجون الاحتلال. تحمل حكاية وليد في طياتها كثيراً من الدلالات والرموز.. فهنا على أرض فلسطين كما قال الشاعر محمود درويش "ما يستحق الحياة".. وهنا على أرض فلسطين كما لم يقل الشاعر محمود درويش من "لا يسمحون لغيرهم بالحياة"، وبين المتناقضين اتخذ وليد خالد قراره أثناء نقله لسجن الجنيد في نابلس فأعلن الإضراب عن الطعام والدواء والكلام. [title]المناضل الرقيق[/title] يستخرج رفاق القيد وأخوة المعاناة من ذاكرتهم قصصاً جميلةً شاركهم سطورها الكاتب والأديب وليد، فالرجل الذي طال به أمد السجون لأكثر من 15 عاماً نموذجٌ جميلٌ لـ "الفلسطيني الأصيل"، وليد ابن البلد، فلاحٌ بالطباع، مدنيٌ بالأداء، ذكيٌ لامعٌ سريع البديهة قوي الملاحظة شديد الحضور ذو شخصيةٍ قياديةٍ متقنٌ إداريٌ لا يُرى في مكانٍ إلا ويشار له بالبنان.. ووليد أيضاً فنانٌ مرهف الحس تقي النفس ودود المعشر عذب اللسان. ولد الإعلامي "وليد خالد" في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأسرة تنحدر من قرية "سكاكا" القريبة من سلفيت شمال الضفة الغربية، وعند عودته إلى فلسطين مطلع تسعينات القرن الماضي بدأت رحلة العذاب عبر اعتقالات متتالية، ومعاناة فاقت الوصف. التحق وليد بعد أدائه امتحان الثانوية العامة وحصوله على معدلٍ مرتفعٍ بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية، لكن عدوان الاحتلال على الحياة الفلسطينية حرمة فرصة إكمال دراسته في النجاح. تعرض الصحفي وليد للاعتقال في سجون الاحتلال ست مرات، وقضى فيها ما مجموعه 15 عاماً بينها تسع سنوات رهن الاعتقال الإداري. اعتقل وليد لأول مرة بتاريخ 21/4/1993 ومكث في السجن مدة 15 شهرًا. عانى الصحفي "وليد خالد" كثيراً نتيجة الاعتقالات المتتالية فلم يكن يفصل بين اعتقال وآخر سوى أشهر قليلة، وكانت بداية المعاناة بحرمانه من إكمال دراسة الهندسة في جامعة النجاح بعد اعتقاله في عام 1993. وقد توالت المعاناة بعدها باعتقاله المرة الثانية في 15/1/1995 قبل أيام قليلة من عقد قرانه على فتاة من بلدته، بقيت بانتظاره خمس سنوات، وحُوِّل للاعتقال الإداري لمدة خمسة شهور. ولم يمض على خروجه من السجن عدة أشهر حتى عاود الاحتلال اعتقاله للمرة الثالثة بتاريخ 21/9/1995 وحُكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات، حيث أفرج عنه بتاريخ 25/10/2000. وبعد أن أفرج عنه عام 2000 وتزوج، اعتقلته قوات الاحتلال عام 2001 وزوجته حامل في شهرها السادس بمولودتها البكر ولاء، التي أبصرت النور ووالدها داخل سجنه. أفرج عن وليد في آب من العام 2006 بعد أن أصبح -حينها- أقدم أسير إداري، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله للمرة الرابعة بتاريخ 1852007، وهذه المرة لم يكتف الاحتلال باحتجازه إدارياً، بل أضاف إلى ذلك عقوبة العزل الانفرادي لفترة طويلة. أُفرج عن الصحفي "وليد خالد" من الاعتقال الرابع بتاريخ 18/8/2006، ليعود الاحتلال لاعتقاله بتاريخ 1852007 من منزله في مدينة نابلس للمرة الخامسة، وقد أمضى في سجون الاحتلال أربع سنواتٍ في الاعتقال الإداري والعزل الانفرادي، وحمل في حينه لقب "عميد الأسرى الإداريين" حتى أفرج عنه في العام 2011. وكما هي العادة، اعتقلته قوات الاحتلال للمرة السادسة في أيار 2011 بعد شهورٍ قليلةٍ من الإفراج عنه، ليمضي في الاعتقال الإداري عاماً ونصف العام شارك خلالها في إضراب الكرامة الذي خاضته الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، وقد أفرج عنه بتاريخ 6/9/2012. [title]كاتب ومفكر[/title] نمت الموهبة الكتابية لدى "وليد خالد" في فترات سجنه وعزله بشكل يتسق مع نمو فكره الوطني داخل السجون، فانكب على تأليف العديد من الدراسات والكتب الأدبية والدينية. وبالتزامن مع هذا الجهد تمكّن وليد الذي كان أحد شعراء جامعة النجاح الوطنية- من الحصول على شهادة البكالوريوس بالإدارة من داخل السجن بعد أن انتسب لإحدى الجامعات الأمريكيّة بواشنطن. كما دأب في اعتقاله الأخير على تأليف مسلسل درامي هو أول خطواته نحو كتابه "السناريو" في المسلسلات الدرامية، وذلك بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً. أطلق وليد العنان في رحلاته الاعتقالية لكتاباته الإبداعية فقرض الشعر وكتب الرواية ونشر " عكس التيار سباحة لا بد منها" وتجلى إبداعه في كتابه الروائي الأخير "محاكمة شهيد". [title]حارس الحقيقة[/title] وفي فسحةٍ لم يطل زمنها من الحرية نالها بين عامي 2006 و 2007، تسلم وليد عمله الجديد مديراً لمكتب صحيفة "فلسطين" في الضفة الغربية، كانت الصحيفة اليومية الجديدة تشق طريقها وتبصر أولى خطوات العروج في سماء الإعلام الفلسطيني تحت عنوان "حارسة الحقيقة" حين كرّس وليد وقته وجهده وكل ما يملك من طاقاتٍ لإنجاح "فلسطين" حارسة الحقيقة. كان انطلاق فلسطين بذاته إنجازاً إعلامياً كبيراً، فهي أول يوميةٍ فلسطينيةٍ تصدر من غزة، وهي أول يوميةٍ فلسطينيةٍ تصدر بالحجم النصفي "تابلويد"، غير أن وليد كان يبحث في الصحيفة عن ريادةٍ أخرى تتجاوز الشكل والإصدار فكتب على صدر العدد الأول الذي صدر في يوم "الصحافة العالمي" 352007 أن فلسطين ولدت لتبقى ما بقيت فلسطين، وأن في صفحات "فلسطين" الصحيفة متسعٌ لكل الأطياف كما أن في قلب فلسطين الوطن متسعٌ لها. وبالتزامن مع أحداث العام 2007 التي اقتلعت صحيفة فلسطين من الضفة الغربية، أعاد الاحتلال اعتقال وليد وتغييبه في غياهب السجون ليحرم فلسطين الوطن وفلسطين الصحيفة من رائد الكلمة الحرة وحارس الحقيقة. [title]عودةٌ للإضراب[/title] وكما هو حال الحياة الفلسطينية تنتقل صفحات قصة وليد لتعيد عرض ذات العناوين ولكن في زمانين ومكانين مختلفين، الزمن هذه المرة لأبناء جلدته الناطقين بالعربية أما المكان ففي سجن "جنيد" في نابلس الذي نقل إليه وليد عقب اعتقاله من قبل جهاز الأمن الوقائي ليلة 1992012. درس وليد الحالة جيداً وتمعن بكل ما فيها من تفاصيل.. السجن ذات السجن وإن اختلف لسان السجان.. المعاناة واحدةٌ والبعد عن الحياة يقتل في الحالتين.. الإفراج في علم الغيب وحقوق الأسير تخضع لقانون "المجهول".. وفي ظل هذه المعطيات اتخذ وليد قراره، ودرس من جديد روايته "محاكمة شهيد" فأعلن فور اعتقاله الإضراب عن الطعام والدواء والكلام، لتنطق المعدة الفارغة بما في جعبته من أقوال: ألا بئساً لأمةٍ لا تحترم أدباءها.. وبئساً لشعبٍ لا ينتصر لمناضليه.. وبئساً لسلطةٍ تحاكم الشهداء.