بعد الحادي عشر من سبتمبر شاعت في أوساط الإدارة الأميركية وبتأثير من المحافظين الجدد نظرية مفادها أن "الإرهاب الإسلامي" سني، ولا مشكلة للشيعة مع أميركا. من السطحية تفسير تلك النظرية بأنها تأثير من الشيعة البارزين مثل أحمد شلبي وفؤاد عجمي وعدنان مكية، في الواقع تعتمد تلك النظرية على إرث استعماري يعلي من شأن الأقلية في مواجهة الأكثرية. وساهم المتطرفون السنة بتعزيز تلك النظرية من خلال مقولات تتهم الشيعة عموما بأنهم عملاء من أيام التتار إلى الاستعمار الحديث، كأي قراءة أيديولوجية تأخذ من الواقع والتاريخ ما يخدمها وتهمل ما يخالفها. واليوم بعد أحداث الفيلم المسيء وما تعرضت له الدبلوماسية الأميركية في بنغازي والقاهرة وتونس جدد شبيحة بشار تلك النظرية. المعركة في سورية اليوم ليست مع نظام البعث العلماني إنها مع إيران وامتداداتها وإرثها. يقول المخضرمون في السياسة السورية إن الأسد الأب جعل إيران ورقة في يد سورية والأسد الابن جعل سورية ورقة بيد إيران. والواقع أن الأب كانت لديه مساحة واسعة للمناورة في ظل وجود الاتحاد السوفيتي. وما يجمع الأب والابن هو برنامجهما الطائفي، فقد وقف الأب مع إيران في حربها مع نظام البعث، وقوى نفوذ الحرس الثوري في لبنان وصولا إلى تأسيس حزب الله، على حساب القوى الوطنية العلمانية أو القوى الإسلامية السنية. في عهد الأسد الأب، وبعلمه على الأقل، ضربت السفارة الأميركية في لبنان من خلال تفجير انتحاري. العملية يتهم عماد مغنية بالتخطيط لها، واتهم المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله بأنه الملهم للانتحاريين الشيعة. في ذلك الوقت كان الجهاد السني يخوض معركته مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ومع نظام الأسد في سورية. في أفغانستان اعتمد المجاهدون الأفغان ومن ساندهم من عرب على التسليح الأميركي. وصواريح ستينغر الأميركية هي التي شلت قدرات الاتحاد السوفيتي الجوية، في الأثناء وبمعزل عن شعارات الشيطان الأكبر طفت إلى السطح فضيحة إيران كونترا التي زودت فيها إسرائيل إيران بصواريخ تاو الأميركية. إذن الطرفان السني والشيعي تعاونا مع أميركا سرا أو علانية في مواجهة العدو. وفي دورة التاريخ عاد الجهاديون السنة في ليبيا إلى التعاون مع أميركا والغرب في مواجهة استبداد القذافي الذي سبق أن حارب أميركا وأسقط طائرة مدنية لها وقصفت قصره في العزيزية قبل أن تقصف مقرات أسامة بن لادن في أفغانستان. لا شك أن "الفيلم المسيء" قدم خدمة كبرى لإيران، وأثبتت القاعدة أو من يرتبط بها أنها تخدم السياسة الإيرانية في سورية وغيرها. لا تمثل القاعدة أكثرية السنة، وصحيح أن مقاتليها أثخنوا في الأميركيين، لكنها ساهمت باختراق إيراني أو بدافع ذاتي من خدمة الاستراتيجية الإيرانية وسلمت العراق للمالكي، وهزمت أميركا في العراق بدماء أكثرها سنية. بقيت ملاحظة أخيرة؛ المالكي كان مسؤول الخط العسكري في حزب الدعوة الذي نفذ تفجير السفارة العراقية في بيروت، ولم يكن عماد مغنية يرى فرقا بين السفارتين الأميركية والعراقية أو طيران الخطوط الكويتية. اليوم في السر ثمة صراع على أميركا بين السنة والشيعة، وتبدو كما الحسناء اللعوب التي تغوي كل طرف ولا تعطيه مراده. يتجلى الغرام السري في ساحة الصراع في سورية، إذ يؤمل السنة أن تسمح أميركا بدخول السلاح النوعي لهم، وفي المقابل يعول الشيعة على استمرار المنع، وهم مستعدون لتقديم تنازلات جوهرية بخصوص الملف النووي الإيراني وسلاح حزب الله، ويذكّرون بالأيام الخوالي عندما ساعدوا في احتلال أفغانستان والعراق.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.