23.9°القدس
23.62°رام الله
22.75°الخليل
26.61°غزة
23.9° القدس
رام الله23.62°
الخليل22.75°
غزة26.61°
الأربعاء 02 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.77

أربعون عاماً في الأسر .. نائل البرغوثي فلسطيني خلف القضبان

ماجد الزبدة
ماجد الزبدة
ماجد الزبدة

صرخة ألم ومعاناة أطلقها الأسير المحرر عمر البرغوثي الذي أمضى خمسة وعشرين عاماً في سجون الاحتلال وسط مدينة رام الله متسائلاً بمرارة: أين أنتم من معاناة الأسرى؟؟، تلك الصرخة التي أطلقها المحرر "أبو عاصف" ليست للتضامن مع نجله "عاصم" المعتقل في سجون الاحتلال، ولا للوقوف حزناً على دماء نجله الشهيد "صالح" الذي اغتالته قوات الاحتلال مطلع العام الحالي، إنما الصرخة كانت للفت الانتباه إلى معاناة أسرى فلسطينيين يقبعون منذ عشرات السنين في سجون الاحتلال، وفي مقدمتهم شقيقه الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى أربعين سنة بتمامها وكمالها خلف القضبان.

أربعة عشر ألفاً وستمائة يوم بساعاتها ودقائقها أمضاها عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي المُكَنَّى "أبو النور" في معتقلات الاحتلال، وكأنه يحلم بنور الحرية من خلال تلك الكنية، تلك الحرية التي سُلبت منه قهراً وهو ابن ثمانية عشر ربيعاً واليوم أضحى كهلاً في العقد السادس من عمره، في نموذج قل نظيره في الصبر والتضحية والفداء دفاعاً عن فلسطين.

في العام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين اعتُقل البرغوثي في ريعان شبابه، وأمضى أربعة وثلاثين عاماً في الأسر، ليُفرج عنه عام ألفين وأحد عشر ضمن صفقة وفاء الأحرار التي عقدتها المقاومة الفلسطينية مع جيش الاحتلال في تبادل للأسرى شمل ألفا وسبعة وخمسين من الأسرى والأسيرات الفلسطينيات مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، وبدت الحياة وكأنها تبسمت للبرغوثي وإخوانه الأسرى المحررين، فأقدم مثل الكثيرين منهم على الزواج وتكوين أسرة فلسطينية لمواصلة الصمود في مواجهة أعتى احتلال عرفه التاريخ الحديث، لكن عنجهية المحتل وقفت لهم بالمرصاد، فتم إعادة اعتقال خمسين منهم بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في أسر الجندي الصهيوني شاؤول أرون إبّان عدوان الاحتلال على غزة عام ألفين وأربعة عشر، في خرق واضح لاتفاق التبادل، وتراجع الاحتلال عن التزاماته مستغلاً ضعف الدولة المصرية التي توسط جهاز مخابراتها في تلك الصفقة.

نائل البرغوثي هو نموذج واحد لمعاناة الأسرى في سجون الاحتلال التي ذاق مرارتها –بحسب نادي الأسير الفلسطيني- أكثر من مليون فلسطيني منذ عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، منهم ستة وخمسون فلسطينياً أمضوا أكثر من عشرين سنة في الأسر، من أبرزهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان في سجون الاحتلال منذ سبعة وثلاثين سنة متواصلة، وإلى يومنا هذا لا زال أكثر من خمسة آلاف وسبعمائة من الأسرى ينتظرون لحظة الحرية، والمؤلم أن من بينهم سبعة وأربعين من الأسيرات ومائتين وخمسين من الأطفال الأسرى في اعتداء صارخ يمارسه الاحتلال ضد مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني.

لسان حال دولة الاحتلال الصهيوني أنها تنتقم من الأسرى بوصفهم ممثلاً عن الشعب الفلسطيني، فهي تمارس شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحق الأسرى طيلة فترة مكوثهم في المعتقلات، وتحرمهم من أدنى الحقوق بل وتمارس القتل البطيء بحقهم من خلال حرمان أكثر من سبعمائة أسير مريض من العلاج، من بينهم ثلاثون أسيرا مصابون بمرض السرطان ينتظرون صفقة تبادل جديدة أو الموت أيهما أقرب.

هذه السياسة الصهيونية المُمنهجة بحق الأسرى أدت – بحسب مركز أسرى فلسطين للدراسات- إلى ارتقاء مائتين وواحد وعشرين منهم شهداء داخل الأسر، لكل أسير قصة وحكاية، ولكل منهم أم تبكي حسرة الفراق في كل ليلة، وبعض الأمهات أفنت عمرها تشارك في فعاليات التضامن مع الأسرى لعلها يوما تراه خارج القضبان، ومن القصص التي تروي تلك الحكاية المؤلمة قصة الحاجة أم فارس بارود من غزة وهي العجوز التي فقدت بصرها بعد طول انتظار ثم لفظت أنفاسها قهرا في العام ألفين وسبعة عشر وهي تنتظر احتضان ولدها فارس بارود المحكوم بخمسة وثلاثين مؤبداً والمعتقل في سجون الاحتلال منذ العام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين، والذي قدر الله له يلتحق بوالدته شهيداً، حيث ارتقى في الأسر نتيجة الإهمال الطبي والقتل البطيء في شهر فبراير من هذا العام بعد أن أمضى ثمانية وثلاثين عاماً كاملة في الأسر.

الأشد إيلاماً بالنسبة لقلوبنا ونحن نروي في هذه الكلمات جزءاً من الحكاية عن معاناة الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال هو ما نتابعه من اعتصام مفتوح واضراب عن الطعام لعشرات من أولئك الأسرى المحررين وسط رام الله في الضفة المحتلة وهم يناشدون السلطة الفلسطينية التي تحاربهم في أرزاقهم وتقطع رواتبهم في انصياع فجّ وتنفيذ أعمى لسياسات الاحتلال العنصرية ضد الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، وكأنها سلطة أُنشئت لتنفيذ سياسة الاحتلال وليس للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

أختم بالدور المطلوب من النخب الفكرية والثقافية الفلسطينية والعربية، فنصرة الأسرى هي واجب شرعي ووطني وعروبي، وهي تكون بإبراز معاناتهم من خلال الصورة والكلمة وتوفير الحد الأدنى من حياة كريمة لعوائلهم، ونشر الوعي بين طلاب المدارس والجامعات حول معاناتهم وصمودهم داخل المعتقلات، وتشكيل ضغط على الاحتلال من خلال السفارات الفلسطينية التي بتنا لا نعرف حقيقة دورها في نصرة قضيتنا العادلة في الخارج، فالتعاطف مع الأسرى ليس مِنّة ولكنه أوجب الواجب، فنسيان قضيتهم وتفكّك أسرهم هو ضياع لنا جميعاً وبداية التلاشي للتعاطف مع قضيتنا العادلة.