13.9°القدس
13.66°رام الله
12.75°الخليل
17.04°غزة
13.9° القدس
رام الله13.66°
الخليل12.75°
غزة17.04°
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
4.57جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.57
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.65

خبر: الجشع المسكوت عليه

عندى حكايات يشيب لها شعر الرأس عن استهتار بعض كبار الأطباء وابتزازهم واستغلالهم للمرضى، الأمر الذى يشكل جريمة مضاعفة. ذلك أن وقوع تلك الممارسات يعد عدوانا جسيما على حق المهنة وجريمة بحق المجتمع. أما السكوت عليها فهو جريمة أخرى أقرب إلى التواطؤ والتستر. وأرجو ألا يساء فهم هذا الكلام أو تأويله. لأننى أتحدث عن بعض وليس كل كبار الأطباء. وأعتبر ممارسات أولئك البعض من قبيل البقع السوداء فى الثوب الأبيض. لكننى صرت أخشى من تزايد تلك البقع فى الأجواء التى سادت فيها قيم الجشع والترف المبتذل والثراء السريع والفاحش، الذى ما عاد يميز بين المشروع وغير المشروع. وإذ أشدد على أن لدينا أطباء يتمتعون بدرجة عالية من النزاهة والورع. حتى تحسب أنهم أقرب إلى أولياء الله الصالحين، إلا أننى صرت أخشى عليهم وعلى من دونهم من تغول قيم الطالحين. أحدث قصص الطالحين كان ضحيتها أحد أبناء العائلة. شاب انتابته نوبة قىء أثناء أدائه الامتحان فنقل إلى مستشفى كبير وشهير فى مصر الجديدة. وأشرف على علاجه أستاذ له اسم رنان، يتقاضى 300 جنيه مقابل الكشف الذى يتم بعد ثلاثة أشهر، وفى الحالات المستعجلة يطالب المريض بدفع 500 جنيه إذا ما رغب فى أن يراه الطبيب فى موعد أقرب، عادة ما يتراوح ما بين عشرة أو 15 يوما، فى المستشفى خضع الشاب لكل ما يمكن تخيله من تحاليل وأشعات لم تسفر عن شىء. وخلال ستة أيام رأه الطبيب الكبير مرة واحدة، ثم تركه لمساعديه وذهب ليستجم فى أحد المنتجعات، وحين ساءت حالته وعوتب الطبيب لأنه ترك مريضه بحالة متدهورة، فإنه استكثر العتاب وقرر مقاطعة المريض. فى اليوم السادس استقرت حالة الشاب فغادر المستشفى بعد دفع مبلغ 11 ألف جنيه دون أن يعرف أهله شيئا عما حل به. وأثناء حيرتهم تلك دلَّهم بعض أولاد الحلال على طبيبة فى حى المعادى تعمل أستاذة بكلية طب قصر العينى. دفعوا مائة جنيه قيمة الكشف، وما إن سمعت القصة حتى قالت إن الشاب مصاب بفيروس معروف ينشط فى المعدة لمدة خمسة أيام. وكتبت لهم الدواء اللازم الذى لم يكلف سوى نحو أربعين جنيها (المستشفى تقاضى 2000 جنيه قيمة الأدوية). لى قريب آخر تعرض لأزمة قلبية وقيل له إنه يحتاج إلى دعامة فى مكان دقيق بشريان الأورطى، وهذه الدعامة لا تتوافر فى مصر، ولكن طبيبا تركيا متخصصا يأتى بها من بلده ويقوم بتركيبها مع الطبيب المصرى المعالج. آخرون من الأطباء المصريين قالوا إن الحالة متأخرة للغاية وأنه لا جدوى من العملية. لكن الطبيب المعالج نصح بإجرائها رغم علمه بأن الأمل فى نجاحها منعدم. قبل إجراء العملية تم دفع نحو 150 ألف جنيه للطبيب التركى ونظيره المصرى، وتقاضى المستشفى الدولى الكبير 50 ألفا أخرى، وسلم المبلغ بكامله باليد دون أى إيصالات، وبعد العملية اختفى الطبيب المصرى ونظيره التركى، وخلال 24 ساعة مات المريض. كل من سمع هذه القصة أو تلك أضاف إليها قصصا أخرى مماثلة تتحدث عن المدى الذى بلغه جشع واستهتار بعض كبار الأطباء. فحدثنى أحدهم عن السيدة التى أودعت مستشفى استثماريا كبيرا بعد أن تمكن المرض اللعين من جسمها، لكنها فوجئت بطبيب طلب قبل منتصف الليل نقلها إلى غرفة العمليات لإجراء عملية قلب مفتوح لها. وهو ما فاجأ من كان معها، وحين تم الاتصال بطبيبها المعالج فى ذلك الوقت المتأخر، فإنه طلب وقف أى إجراء معها على الفور. وتبين فيما بعد أن الطبيب أراد إجراء العملية التى لا حاجة للمريضة بها، لكى يتقاضى أجرها. وعندما افتضح أمره فإنه ظل يمارس عمله العادى فى المستشفى وكأن شيئا لم يكن. قصص الجشع هذه لا تنافسها فى العدد سوى قصص الإهمال والاستهتار الذى يتسم به أداء بعض الكبار، حين يتقاضون عشرات الألوف من جراء عملياتهم، ثم ينقلون الدم الملوث إلى مرضاهم. فيخلصونهم من أزمة ليدخلونهم فى أزمة أكبر. ولأحد صحفيينا المخضرمين تجربة مريرة ومثيرة فى هذا الصدد تصلح لأن تكون فيلما دراميا يفضح مدى التدهور الذى بلغته المهنة على أيدى أولئك البعض من الكبار. شركات الأدوية ضالعة فى المشهد البائس. وكذلك بعض وسائل الإعلام أيضا. فالشركات تتواطأ مع بعض الأطباء للترويج لأدويتها، وأحيانا تدفع لأصحاب بعض الفضائيات لاستضافتهم والحديث عن تلك الأدوية، إضافة إلى تسويق الأطباء فى نفس الوقت بعد الإعلان عن هواتفهم النقالة على شاشات التليفزيون. وقد قيل لى إن إحدى شركات الأدوية دفعت مليون جنيه لصاحب إحدى القنوات الخاصة لذلك الغرض. ما يدهشنا حقا أن يحدث ذلك وتتواتر أخبار الفضائح ــ وما ذكرته نقطة فى بحر ــ دون أن نجد مساءلة أو محاسبة لأحد. بل نجد أحيانا تحيزا ومجاملة من جانب وزارة الصحة ونقابة الأطباء للمتورطين فى تلك الجرائم. حتى أن نقيب الأطباء السابق طرد صحفية من مكتبه ذات يوم لمجرد أنها أرادت أن تفتح معه الموضوع. وإزاء سكوت الوزارة والنقابة لم يكن هناك مفر من تقديم الشكوى إلى الرأى العام لفضح الجريمة طالما أن هناك من يحاول تجاهلها أو التستر عليها. أحد الأسئلة المهمة التى يثيرها المشهد ما يلى: هل هذا الجشع والفساد مقصور على الأطباء وحدهم أم أن هناك انهيارا مماثلا فى تقاليد وأعراف المهن الأخرى؟ سأترك لك الإجابة لأننى لا أريد أن أصدمك برأيى فى الموضوع.