13.9°القدس
13.66°رام الله
12.75°الخليل
17.04°غزة
13.9° القدس
رام الله13.66°
الخليل12.75°
غزة17.04°
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
4.57جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.57
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.65

خبر: مجتمع حشري

زرناها بعد شهر من زواجها فإذا بالنساء يسألنها: "حوّشت؟" "في ايشي عالطريق؟" فاكتفت العروس بالسكوت والتبسم! استغربت يومها لماذا تسألها النساء عن مدخراتها المادية وعن زوارها!! وضحكت من غبائي عندما اكتشفت أني لم أفهم لغة النسوان يومها!! أم أخرى تتصل بابنها صبيحة عرسه وتسأله أكثر من عشر مرات عن الأحوال وتظل تصر عليه ولا يبدو أن إجابته بالحمد لله تشفي غليلها ثم تأخذ الهاتف إلى الداخل لتنفرد بابنها ثم تخرج بابتسامة وتقول للحاضرين والحاضرات من العائلة "كله تمام"! مأدبة تجتمع فيها العائلة وتغيب عنها قصدا الصبايا غير المتزوجات، فقد سئمن من السؤال المتكرر عن العرسان وسماع أخبار من تزوجت وحملت وطلقت وسافرت واشترت، فقررن الانقطاع عن مجالس العائلة؛ مخافة أن يملأ الأسى أو الحسد قلوبهن! مجتمعاتنا العربية حشرية إلى أبعد الحدود، وهي تخلط بين الاهتمام والمساعدة والحرص، وبين التدخل في أمور شخصية لا تعني سوى دائرة ضيقة جدا من الأشخاص، والمؤلم أن الأسئلة أيضا تشيع حالة من عدم الرضى وعدم القناعة بالموجود، فمن أنجبت بنتا تنتظر ولدا، لأن النساء يدعين لها بالعوض، وكأنما كان إنجاب البنت البكر خسارة! وإذا أنجبت ولدا ينصحنها بإنجاب أخ له حتى لا يبقى وحيدا، وهكذا تدخل المرأة في الحلقة المفرغة، والعَزَبة لا ترضى بوضعها وتستثمر حياتها وطاقتها بالمفيد حتى يجيء النصيب، بل تحصر نفسها وعالمها بانتظار أن تتزوج مثل ابنة عمتها وابنة خالتها حتى تعود إلى حلقة المجتمع بقلب قوي دون خوف من الأسئلة المحرجة، ونظرات الهمز والاستصغار والشفقة، ناهيك عن أن هذه الأسئلة من غير أصحاب العلاقة قد تساهم في كسر حاجز الحياء والحرمات والخصوصية التي يجب أن تكون محفوظة مستورة بأمر الله. وهذه الحالة من الحشرية والتدخل غير المبرر تمارسها نساء ورجال، يحاولون أن يشغلوا أوقاتهم الفارغة بالتسلي على حياة الآخرين؛ لأن "الفاضي بيعمل قاضي"، وهذه تدمر أكثر مما تعمر، وتوجد مشاكل بين الناس أكثر من حلول. وإذا أردنا الجانب الإيجابي من هذه الأسئلة بغية المساعدة، فإن بذلها لا يحتاج إلى معرفة تاريخ العائلة ومن باض البيضة، فقد كان الناس يعرفون بعضهم، والمهموم منهم بسيماهم دون شكوى صريحة أو استفسار، وكانت العين تعلم من عين محدثها ما يخفيه قلبه من شكوى أو حاجة. وعلى الرغم من أننا مجتمع نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال وكثرة السؤال، وأمرنا بحفظ أسرار الأسرة والزوجية، إلا أننا ما زلنا نلوك حياة بعضنا، ونعتبر الحديث في الناس فاكهة المجالس، ونبرره بقناع الاطمئنان الزائف ثم نغادر دون ترك بصمة طيبة، وقليل من العائلات مَن تجعل من اجتماعاتها ودواوينها مجالس تراحم وتكافل وتعاضد، لا مجالس غيبة وتنافس في الدنيا! قال الدكتور مأمون طربية: "هناك فرق بين حشر أنفك في أمور الآخرين، وبين وضع قلبك في شجونهم". وهناك فرق كبير بين التكاتف والمناكفة، فحتى الحب إذا زاد على حده انقلب إلى ضده.