ثمة فروق واضحة بين (منظمة التحرير الفلسطينية) و(منظمات حقوق الإنسان) في فلسطين وفي خارج فلسطين أيضًا. لقد نشأت (م ت ف) من أجل التحرير، وهي مؤسسة تقود الشعب الفلسطيني منذ نشأتها وحتى الآن نحو هدف التحرير. (م ت ف) مؤسسة قائدة وذات قرار، وهي مؤسسة تمتلك شرعية تمثيل الشعب، وشرعية اتخاذ القرار الذي لا يتعارض مع الثوابت الفلسطينية. أما منظمات حقوق الإنسان فهي منظمات أهلية مدنية متخصصة بمراقبة حقوق الإنسان ومدى التزام السلطات الحاكمة في الدول بهذه الحقوق. وعمل هذه المنظمات يقوم على المراقبة والرصد وكتابة التقارير الدورية، والسنوية. منظمات حقوق الإنسان لا يتضمن ميثاق نشأتها فكرة التحرير البتة، وهي لا تملك سلطة اتخاذ القرار نيابة عن الشعب، ولا تملك آليات تنفيذ لوجهة نظرها. إنها منظمات (وصفية) تكتب تقارير تصف الحالة فحسب، وتقدم توصيات، وتنتظر تنفيذ السلطات لها. يبدو أن (م ت ف) قد استهوتها أعمال منظمات حقوق الإنسان الوصفية، فقررت أن تستنسخ أعمالها، وتجرب حظها، حتى وإن تخلت عن سلطة القرار والتمثيل، فبالأمس القريب وزعت (م ت ف) على أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرير وصفيًا بعنوان: (45 عامًا من الاحتلال: ماذا تبقى من حل الدولتين؟!). وتحت هذا العنوان وردت الأبواب التالية: 1) تركة (إسرائيل) بالأرقام. 2) عاصمة فلسطين السليبة والمعزولة. 3) الحرمان من مصادر المياه. 4) الاحتلال والحصار. 5) اعتقال ما لا يقل عن ربع الفلسطينيين. 6) المخططات الإسرائيلية في القدس المحتلة. 7) الشعب المحروم الواقع تحت الاحتلال. جيد أن يغطي التقرير مساحة زمنية ممتدة إلى 45 عامًا، وجيد أن يتضمن هذه الأبواب المعرفية بلغة بكائية، وهي لغة بتنا نجيدها في فلسطين من كثرة الألم. وجيد أن نضمنها من الأرقام والاحصائيات والأحداث ما يفضح الاحتلال وينزع عنه إنسانية وديمقراطية دولته. ولكن ليس جيدًا على الإطلاق أن يستهدف هذا الوصف حل الدولتين، والبكاء على أطلال وهمية. وليس جيدًا أن يكون هذا الوصف باللغة البكائية بديلاً عن فكرة التحرير التي تأسست من أجلها (م ت ف). التقرير الذي تقدمت به (م ت ف) وبالتحديد دائرة المفاوضات فيها إلى الأعضاء في الأمم المتحدة استهدف بلغته البكائية الحصول على تأييد الدول لعضوية (فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة)، ولم يستهدف شيئًا بعد ذلك مما له علاقة بالتحرير رغم النعي الرسمي الواضح لمفاوضات حل الدولتين. هب أن التقرير قد جمع التأييد الكافي لفكرة (دولة مراقب)، فماذا بعد؟ وأين هو موضع التقرير من خريطة التقرير التي تعالج المستقبل الفلسطيني؟ التقرير لا يقارب فكرة التحرير وآليات التحرير المشروعة، ولا يطرح البدائل، ويتمسك بمفاوضات عقيمة وسخيفة. التقرير لم يقل للعالم كفى بعد 45 عامًا من الاحتلال؟! ولا يقول للعالم لقد قررت منظمة التحرير ممثل الشعب الفلسطيني العودة إلى الأصول والجذور التي من أجلها نشأت قبل 45 عامًا؟! بعد نصف قرن (م ت ف) تتحول إلى منظمة حقوق إنسان، أو إلى صليب أحمر ينقل الرسائل، والرسائل فقط.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.