19.92°القدس
19.28°رام الله
18.3°الخليل
21.36°غزة
19.92° القدس
رام الله19.28°
الخليل18.3°
غزة21.36°
السبت 18 مايو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.23دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.03يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.23
جنيه مصري0.08
يورو4.03
دولار أمريكي3.7

خبر: دُروس في الحُرِيَة لِأقلامٍ مَكسورَة

هُناكَ دروس لا نَحتاج في حَضرَتِها لأستاذ وتلاميذ، هِيّ تِلك الكَمنجات التي يَعزفها ويكتُب ألحانها صحافي أسير، نتحول عند أول استماع لها إلى أقلام مَكسورة، لنتعلم منهم الحرية، أولئك الذين اعتقلوا، والتُهمة: بِضعُ كلمات وحقيقة. حَتى يَنجَح الصحافي في نقلِ الحقيقة يَجب أن يحمل فِكر مُقاوم ومبادئ ثابتِة وعُنق طويل يتكرر مع كُل محاولة لِقطعِهِ، يَجب أن يَكتُب في الأماكِن التي لا تَتَوَفر فيها الراحَة والبَذخ، يجَب أن لا يَكون كمحرري الجرائد الذينَ يَكتبونَ وينشرونَ عَن فلسطين دونَ أنّ يعرِفوا وجَه يَهودي أو يَسمعوا صوت طَلقة رصاص، أو يشهدوا مُناوَرة أو مَذبَحة أو يُصلبوا على حاجِز صهيوني لِساعات وتتسخ ملابِسهم ليصلوا إلى أماكن عَملهم "كالقُرود". ثِمَةُ خطأ يَرتَكبهُ الصحافي عِندما يَخرج مِن نُصوصِهِ بريئا غيرَ مُتَهَم بِوَطَن! بِما أننا في فلسطين، على الصحافي أن يُعاني، فمُعاناتِهِ تَعني قدرَتُه على نَقل الحَقيقة وواقع مُعاناة الآخرين، لِكن بمفردات وجَعهِ هو لا بمفرداتهم فقط، وأجزم أن الأقلام تلتقي كما الأرواح، لكنني أرى في أرواحنا برودا وعفنا لا تفسير له، لماذا عندما يُسجن صحافي لا يهب لنصرته كل الصحافيين رغم أنهم معرضون لما تعرض َ له؟ الصَحفي في الواقع ما هُو إلا (مُبتدأ) لكل حقيقة، يأتي (بخبر) كل ظالم، (يرفع) نفسهُ عن الخيانة و(يكسر) القلم الذي ينحني لأسيادهِ، و(ينصب) مشنقة الطُغاة دون إكتراث بالأقدار التي (سَتُجمَع) حول عنقه، والسجون التي ستُكبل يَده، والطرق المُستقيمة التي سَتُغَيّر وجهَتها دون أي مبرر، في الواقع هو كُل ما ذُكر، لكنني لا أرى الصحفي الأسير في قاموس نقابة الصحافيين إلا (مُستثنى) مِن كل إهتماماتِهم، وكأن النقابة ووزارة الإعلام باتت (ساكنة لا مكان لها مِنَ الإعراب). هناكَ عدد من الأسرى الصحافيين والمعتقلين في سجون الاحتلال والسلطة ينتظرون من زملائهم ولو وقفة تضامنية معهم، كلمة، استنكار، تقرير أو ريبورتاج، لكنهم كتبوا وسُجنوا ولم يجدوا مِنا لا موقف ولا وقفة! قَبل البدء بِدروس الحُرية التي سطرها الصحافيين في معتقلات السُلطة وزنازين اليهود، لا بُد من الإشارة إلى الأقلام المَكسورة المُتمثلة بنقابة الصحافيين ووزارة الإعلام والزملاء – بما فيهم أنا -، هكذا نُصبح "نحن" المقصرون بحق الأسرى عامة وزملائنا الصحافيين "المعتقلين" خاصة. الدَرس الأول: الزميل الكاتب والصحفي وليد خالد الذي أمضى زهرة شبابِهِ يَدفع ضريبة فِكره في سجون الاحتلال، ها هو اليوم يُكافئ مِن سلطتنا بالسجن بعد الإفراج عنه مُباشرة من سجون الصهاينة، لَم نرى لا بيان ولا استنكار ولا وقفة تضامنية من نقابة الصحافيين، وكأن وظيفتها اقتصرت على النظر بصغائر الأمور، فعندما فُصل الزميل محمد أبو حمدية من فضائية فلسطين اليوم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في محاولة منهم لتحويل القضية نحو "تضيق الحريات من قبل وسائل الإعلام الإسلامية"، وكلامي بهذا السياق لا يعني عدم التضامن مع الزميل أبو حمدية، بقدر ما يكشف إهمال النقابة لقضية الأسرى الصحافيين، ولا أعتقد أن فصل موظف أهم بكثر من صحافي معتقل! وليد خالد وجه للعالم سؤال في كتابه (عكس التيار سباحة لا بُد منها)، وفي أول درس له بعنوان (لقد مضى عهد النوم) قال:" هل أنتم على استعداد بحق لتجاهدوا وليستريح الناس؟ وتزرعوا ويحصد الناس؟ وتموتوا وتحيا أمتكم؟ وهل أعددتم أنفسكم لتكونوا القربان الذي يرفع الله به هذه الأمة إلى مكانتها؟". نفس السؤال أوجههُ للصحافيين ! وقد كان وليد أول مَن عَملِ بسؤاله، فقد كَتبَ لأجل الناس، ودُفِنَ في مقابر الأحياء ليحيا الناس، وكان قربانا رفع بقلمِه الأمة ووجهها، ونحن؟ ماذا فعلنا له وللزميل أمين أبو وردة، والزميل باسم خندقجي، والزميل محمد منى، والزميل عامر أبو عرفة، لماذا يغيب هؤلاء الصحافيين الأسرى عن بالنا وعن بال النقابة؟ الدَرس الثاني: أتذكر جيدا أن الصحافي عامر أبو عرفة كتبَ ذات يوم مقالا وجهه خصيصا إلى نقيب الصحافيين يسأله بكل وضوح "أين نقابتنا من قضيتنا؟"، هذا المقال كتبهُ من داخل سجنهِ "حيثُ الكلمات تكون تعيسة بشكل أفضل هناك" واستغربت كثيرا عندما وصلني خبر يُفيد بأن مخابرات الاحتلال قرأت المقال من المواقع الإلكترونية وقررت معاقبتهِ بنقلهِ إلى سجن آخر بتهمة نشاط من داخل السجن، يومها كتبَ زميلنا عامر أنه يشعر بالظلم مرتين " مرة باعتقال الاحتلال للصحافيين دون أي وجه حق، ومرة بعدم وقوفنا بجانبهم وإثارة قضيتهم العادلة"، وشعرنا نحنُ بالعجزِ والتقصير والخزي آلاف المرات. يا للسخرية، وصلَ المقال للمخابرات الصهيونية ولم يصل لنقيب الصحافيين! ليتبين لنا أن العدو يتابع ألمنا، تَعبنا ومناشداتنا، والأقلام المكسورة ثمِلة بلقمة عيشها وراء مكاتبها. ما أحقر الصحافة عندما تتحول إلى مهنة لكسب لقمة العيش فقط! سأذكركَ أيها النقيب ببعضٍ مِن كَلماتِه الموجعة التي وجهها إليك قائلا:"هل يجب أن نُحي بجوعنا موت الضمائر، ونستنهض بموتنا الشجب والاستنكار على جثمان أقلامنا، ونكسر بآلامنا قيود الحقيقة المكبلة على معاصم الكرامة؟ هل نظمتم المسيرات الأسبوعية أو الشهرية في أسوأ الأحوال لتقولوا للعالم أن هناك أشخاص يتم اعتقالهم فقط لأنهم ينقلون لكم الحقيقة؟ وهناك حقيقة تُكبل دون حياء من عيون العالم الشاخصة إلينا؟ هل علقتم صورنا على أبواب النقابة مستثنين انتماءنا السياسي ومركزين على أيدينا التي حاولوا قطعها فقط لأنها تحمل قضية بقلم وكاميرا؟ أي نعم لن تستطيعوا اختصار حياة صحفي أسير في سكتش صغير، ولكن كما يٌقال " جود من الموجود " أيها النقيب) . هذا ما كَتَبَهُ يوما لَك ولَنا الصحفي الأسير عامر أبو عرفة، فهل ترتفع لتضحياتهِ وتتكرم بالردِ عليه ولو بكلمة؟ وحتى لا أكلفكَ عناء البحث عَنا في أروقة المواقع الإلكترونية، سأرسل لَكَ مقالي هذا ومقال زميلي برسالة مكتوبة إلى مكتبك. عِندما تَضع الكَلمات مَقاصِلها حَول عُنق الصحافي، يَقول لَها:" أنا فَقط رَتبتُكِ، وأعتَذِر بأن زينَتُك كانَت قَذارتِهم، هُم صَنعوكِ وخبأوكِ، والآن سَيقطَعون اليَد التي كَتبتكِ". أنا يا سَيدَتي فَقط حَولتُكِ لكائِن ضاقَ الصُراخ بِحلقِه، ولَم يَعد يَمتَلِك إلا لُعاب الحُروف كَي يَبصُقها في وُجوهِهم النَتِنة، فَكما صَوَرَ بيكاسو خَراب المَدينَة على أيدِي الفاشيين بِرَسمِهِ للوحةِ "غرنيكا" أنا صَورتُ دَمار مدينَتي ببنائِكِ، أنا فَقط أبعدتُكِ عَن أدراجِهم الصَدِئة، وظلمَةِ زنازينَهم. هكذا يَتحدَث الصحافي للكمات، ولا يَجد مِنَ النَقابَة إلا التجاهل! أيها القَلم المَكسور، تدعِي أنكَ مُثَقف، لكنَكَ لَم تأخذ مِنَ الأدب سوى قَول الراحل جوزيف سماحة " ليَسَ في هذّهِ الحَياة ما يَستَحق الاستيقاظ مِن أجلِهِ ". رغم وجود أخوة لَكَ بالمعتقلات مقتولين، لكن دونَ دِماء. أمام حَفنَة مِن الأقزام والفاسدين في مقال أو نَص أدبي، باستطاع كَلماتنا أن تَغتالنا، تَتَسبب في قَتلِنا، أرقنا، وَجعنا، تَجمع حشودا ضدنا وآخرين معنا. بعض الكلمات تُعبد الطريق للسِجن، وبعضها الآخر يُعبد الطريق لِلقبَر، وبعضها يصطحبِنا إلى المَنفى، بِسَببها نُهان، ونُجَرَم، ونُعتَقل، ويتبعنا المُخبرين وُحراس المَدينة، ونَموت ونَحيا ما بَعد الموت، وبَعدَ رَحيلنا فقط يتذكرنا العالم، ويبني لنا القُراء تماثيل من حروفنا التي أعجَبتهم،أنصفتهم، ظَلمَتنا، ومن ثُمَ قتلتنا.