(لبيك يا أقصى) عنوان مهرجان خطابي شعبي عقدته حركة الإخوان المسلمين وشركاؤها في حي نزال بعمان أمس. المهرجان حضره عشرون ألفًا أو يزيد. الجماهير هتفت من أعماقها بأصوات عالية بلغت عنان السماء للقدس. ولقد استثمر المتحدثون من على المنصة مشاعر الجماهير الملتهبة وذكروها بمكانة القدس، ومنزلتها في العقيدة الإسلامية، وحرضوها على واجب النصرة والتحرير، وألهبوا غضبها بنماذج من الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى وساحاته، واستثاروا فيها نخوة الدين ونخوة الوطن. (لبيك يا أقصى) مهرجان خطابي ناجح نقلته بعض وسائل الإعلام كالجزيرة وفضائية الأقصى، وبهذا يتضاعف عدد الحاضرين للمهرجان، وتتضاعف أعداد الغاضبين، وغدًا ينفض المهرجان ونحن أكثر اطمئنانًا أن الأقصى محفور في ذاكرة من تابعوا المهرجان وحضروه، بل في ذاكرة الأمة بأجمعها التي استهدف الخطاب استنهاضها، وبعث كرامتها. ربما جاء مهرجان (لبيك يا أقصى) في وقت تزايدت فيه اعتداءات الصهاينة على ساحاته، حيث أقاموا شعائرهم الدينية اليهودية في ساحاته رغم دفاعات المصلين المستميتة في الأقصى لمنعهم من ذلك، والاحتفاظ بطهارة المسجد وساحاته من تدنيس الحاخامات والمشعوذين. ربما نشعر بواجب تقديم الاحترام والتقدير للمدافعين عن الأقصى بأجسادهم وحناجرهم ممن أكرمهم الله بشرف الدفاع عنه والتواجد فيه، وربما يجدر بنا تقديم الاحترام لمن أقاموا مهرجان (لبيك يا أقصى) مستنهضين الأمة والأنظمة للقيام بما أوجب الشرع عليهم عند احتلال القدس، والعدوان على الأقصى. كل ما تقدم واجب، وجدير أن يكون، ولكن هذه كله يبقى قليلا من قليل مما أوجبه الله عز وجل على المسلمين نحو القدس والأقصى، وهذا القليل للأسف لا يمثل جزءًا من برنامج كامل وعملي لتحرير الأقصى واستعادته من الغاصبين. المهرجانات الخطابية جيدة ولكنها تنتهي بانتهاء المتحدثين وانفضاض الجماهير وعودتها إلى بيوتها وإلى أعمالها، ويبقى الأقصى أسيرا يعاني من التدنيس المتواصل والمبرمج، لأن الخطباء لا يملكون قرار تحويل مهرجانهم إلى برنامج عمل قابل للتنفيذ، فالقرار تملكه السلطة التنفيذية في الدولة، والنظام العربي كله بدوله المختلفة هو الآن بمعزل عن القدس والأقصى؛ ولأنه بمعزل عن الأقصى، وبمعزل عن مهرجان (نزال) بعمان، وغيره من المهرجانات، فإن دولة الاحتلال مطمئنة إلى خطواتها، وإلى مستقبل أعمالها في القدس، وهي تسير في عملية تنفيذ خططها وبرامجها بثقة وتتقدم بها يومًا بعد يوم، وأحسب أنه لن يمر وقت طويل حتى يصبح للمسجد الأقصى برنامج زمني، وآخر مكاني يقتسم فيه اليهود والمسلمون الحقوق شراكة رغم أنف المهرجانات الخطابية القوية والمؤثرة. لأن ألف قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من مدفع. جيد أن نستنهض الأمة بالخطابة، والأناشيد، والأشعار، ولكن الأجود أن نلزم أنفسنا والأمة ببرنامج عملي ينتهي بتحرير الأقصى، وهذا يتطلب إلزام أصحاب القرار ممن يسكنون القصور، ويحكمون الأمة للقيام بواجباتهم نحو القدس ونحو جماهير المسلمين الغاضبة من أجل القدس، وبدون هذا التحول الحقيقي والواجب، سنظل نقيم المهرجانات، وسيظل اليهود يتقدمون نحو أهدافهم النهائية في القدس.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.