تدور اليوم رحى عدوان آثم على "حركة المقاومة الإسلامية" حماس، وينبري نفر من أشباه الصحفيين والكتاب و "أصحاب الرأي" مدفوعي الأجر مقدماً، في هجوم نافر، والقضية هي أن الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لن يرشح نفسه لرئاسة الحركة مرة أخرى! يقول البعض إن هناك صراعاً على السلطة في القطاع المحاصر وعلى المواقع القيادية في الحركة، وأنها ستنشق بفعل "تيارات وهمية" خلقتها شياطين أضغاث أحلامهم. ويضيفون إن الحركة باعت المقاومة والكفاح المسلح وتنكرت لحلفاء الأمس الثلاثي سوريا وإيران وحزب الله، والكثير الكثير من الأراجيف التي تعشعش في أحلام اليقظة لهذا الفريق. منذ بضعة أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، أجرت إحدى القنوات الفضائية مقابلة معي وكان شريكي في هذا اللقاء أحد الذين يروجون لهذه السفسطة التي تكذبها كل يوم وقائع الحياة العنيدة. فحركة حماس التي انتصرت وبأغلبية لافتة في أول انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة في فلسطين المحتلة في 25كانون ثاني/يناير عام 2006 ، بشهادة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وتؤيده في ذلك عديد الوفود العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، هي الفصيل الأوحد الذي يعيش حياة داخلية ديمقراطية بامتياز تتجدد فيها الحياة ويجري في عروق مؤسساتها نَفَس التغيير والاصلاح دون توقف منذ التأسيس رغم وعورة الطريق وبطش الاحتلال والاعتداءات المنكرة لأبناء جلدتنا. وهذا يعني أن فرص بروز تيارات متطاحنة غير ممكن موضوعياً وواقعياً ، فأعضاؤها بكل هرميتها التنظيمية يقررون لأنفسهم البرنامج السياسي والمؤسسات الشورية دون تدخل لهذا أو ذاك من أولي الأمر كما هو حال فصائل العمل الوطني الفلسطيني أو قُل ما تبقى منها وقد اندثر فِعلياً جُلّها كما يعلم الجميع. لقد عقدت "حركة فتح" مؤتمرها السادس بعد عقدين بالتمام والكمال وكانت مؤسساتها وهيئاتها كلها بالتعيين، وقد كان مؤتمرها ذاك كرنفالاً لا يمت بأي صلة للإجراءات الديمقراطية حين دُعي للمشاركة فيه المريدون والأتباع والأقارب والمنتفعون، فتشظّت الحركة التي كانت للتحرير الوطني فَفَصل قياداتها وكوادرها وأعضائها يجري على قدم وساق، وكذلك استقالة هيئاتها يكاد يكون الخبر اليومي المكرر. وهكذا دواليك حال الفصائل اليسارية والقومية التي أبّدَتْ قياداتها لعقود هي عمر الحركة الوطنية نفسها، حتى أن بعضها باد، ولم يزل رؤساء مكاتبها السياسية وأعضاؤه مخلدون دون تنظيم أو أنصار، وبرامجها السياسية لا تمت لثوابت الشعب وهمومه اليومية بأي حال. أليست خطوة مجيدة في السياق الوطني أن يعلن رئيس المكتب السياسي "لحركة حماس" عدم تَرَشُّحِهِ لولاية جديدة، وأياً كانت الأسباب؟ وهل هناك سابقة في ذلك في أي حركة أو حزب على الساحة الفلسطينية ؟. وقادة تلك الفصائل في "الكل الوطني" المُدَّعى يتغيرون فقط حين يعبرون إلى جوار ربهم وليس لأي سبب آخر والحمد لله على ما أصابنا، فلا يُحْمَدُ على مكروهٍ سواه ! لقد خلقنا الله وَسُنّة التداول وعمليات الدفع مُكَوِّنٌ من مكوناتنا، ومقولة "نسخة طبق الأصل" غير موجودة في الحياة وهذه حقيقة موضوعية، والاختلاف هنا أصل التغيير والتطور والارتقاء. خالد مشعل يغادر موقعه وهو في قمة مجده وعافيته ويتابع طريقه في موقع جهادي آخر، وهذه سابقة إيجابية بكل دلالاتها، وما يتمناه كل فلسطيني أن يصيب ذلك بعدواه ما تبقى من الفصائل والجبهات والحركات والأحزاب !! وهل صحيح أن "حركة حماس" انقلبت على حُلفائِها في سوريا وإيران وحزب الله في لبنان ؟! وما أراه بادئ ذي بدء، أن ايران وحزب الله وسوريا هم حلفاء طبيعيون لنضال الشعب الفلسطيني ويواجهون معنا عدواً مشتركاً وهم مستهدفون مثلنا تماماً من دولة الاحتلال وسنده الاستراتيجي في الولايات المتحدة الأميركية. و "حركة حماس" لا تنكر ولا تتنكر لذلك، وهي أقامت هذه التحالفات – ولم تزل – كطرف متكافئ معها وعلى قدم المساواة في الحقوق والواجبات. وإني أعلن ذلك، وعلى رؤوس الأشهاد، وقد كنت مساعداً لوزير الخارجية في حينه د.محمود الزهار في الحكومة الفلسطينية العاشرة، وفي زيارة لوفد وزارة الشؤون الخارجية لاثني عشر بلداً عربياً وأجنبياً كان من بينها باكستان والصين وإيران وسوريا. لقد شاركت في جميع الاجتماعات لوزير الخارجية د.الزهار مع القيادة الايرانية وكانت تجلت فيها نقاط اتفاق ونقاط اختلاف كبيرة على المستويين السياسي والايدولوجي. وكذلك في الاجتماع مع السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري الذي لم يَخْلُ من الحدة في كثير من جوانبه، وحماس هنا لا تجانب الصواب حين تقف إلى جانب الشعوب في خياراتها، كما هو الحال الآن في سوريا العزيزة. وكشاهد عيان، كانت وستبقى الحركة فصيلاً وطنياً إسلامياً مستقلاً، كامل السيادة في علاقاته العربية والأجنبية. تقف الحركة اليوم وكما كانت دوماً في الميدان في مواجهة العدو وعند أي عدوان أو تصعيد وتؤكد في كل تصريحات مسؤوليها أن المقاومة هي جوهر برنامجها لدحر الاحتلال عن كل فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر. لقد أمضى الأستاذ خالد مشعل ستة عشر عاماً على رأس المكتب السياسي "لحركة حماس"، وهذا لعمرك كاف، والحركة في هذا تعطي النموذج للجميع، منسجمة مع المعطيات التي تفرضها ثورات الشعوب العربية في الجوار تتفاعل معها وتفعل فيها وهي تنتصر على نفسها وتحرز الانتصارات في ميدان المقاومة في مواجهة العدو المحتل وتنفتح على محيطها العربي والغَربْي، وتكسر الحصار الظالم وتفتح الآفاق لغد الحرية والانعتاق في فلسطين حرة مستقلة كاملة السيادة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.