أيقظني أبو يزن من التاسعة صباحاً في يوم إجازتي لكي أتذوق خبز جدته السبعينية العمر, على فرن الطين, اقتربت معه إلى جانبها, عجوز قديمة جداً, عوراء العين, بجانبها أمواج من الدخان, تتلوها أمواج, أسود مع أبيض مع أحمر, وبكل الروائح, نظرت إلى ما تحرقه, فوجدته خشباً, مع "نايلون", مع بعض الملابس القديمة, مع "أحذية تالفة", وعشرات "الكراتين", وبعد دقائق أخرجت لنا العجوز رغيف خبز بني اللون مليئاً "بالخَرَابِيشْ" السوداء, ومحروق جزء منه نتيجة العور في عينها, أذهلني أبو يزن حينما قال إن الخبز رائع جداً بالرغم من أنه لم يعجبني.... تذكرت وقتها لوحة الفنان الإسباني "خوان ميرو" بعنوان "النجم الأزرق", والتي بيعت بمبلغ يقارب 36 مليون دولار في مزاد علني. حين تأملت اللوحة وجدتها "خَرْبُوشَتَيْن", مع قليل من "الشَّخَابِيطْ", ومثلث "مبعوج الأضلاع" فقط لا غير, الغرب يقرؤونها كَفَنْ, ويرون من خلالها عبراً كثيرة, مع أني تأملت فيها نصف ساعة لم أخرج إلا ببعض الخرابيش. حتى الفن بات عجيباً, كذلك التصريحات والكلمات, فبعض الناس لو قلت له جملة مفيدة, جميلة وعميقة, يسخر منك, ويقول لك :"ما هذه التفاهات", ولكن سبحان الله إن نسبت كلماتك التافهة لمسئول أو شخصية مشهورة, تصبح "بقدرة قادر" رائعة, مليئة بروح الثورة والفكر والنضال, هؤلاء الناس يتذوقون الورود, ويشمُّون الأيادي فقط لا غير. حتى القادة لو قالوا خرابيشاً, أو ذكروا مصطلحات عقيمة, مفرغة من أي عمق, تشبه لوحة الفنان, ترى الجالسين يصفقون ويهللون من روعة الكلمات, فتجلس صامتاً, متفكراً, فيما قال المسئول فتخرج بجملة لا محل لها من الإعراب. طيب وأنا مالي يا أبو يزن, "دع الخلق للخالق".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.