لم يكن 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 يوماً عاديّاً في لبنان، بل كان يوماً استثنائياً استطاع أن يدخل تاريخ لبنان الحديث من أوسع أبوابه، فقلب بمجيئه كلّ الموازين والحسابات والتّرتيبات، صارخاً بوجه الظّلم، معلناً ولادة ثورة كان لا بدّ منها في ظلّ الفساد الممنهج والأوضاع المزرية التي وصل إليها البلد.
وقد أصبح اللبنانيون على يقين بأن بلدهم ليس فقيراً، إنما هو منهوب من طبقة سياسية لم تشبع بطون حكامها بعد، وفي ظلّ هذه الظروف، اتّجهت العيون نحو الساحات اللبنانية من شمالها الى جنوبها، تترقّب وتحلّل وتنتظر. أما على الهامش، فكانت المخيمات الفلسطينية التي اتّخذت تلقائياً شكل القوقعة، فكمّم الفلسطينيون أفواههم واتّسعت عيونهم وهم يراقبون المشهد دون أن يتجرأ أحدهم أن يتدخّل أو يصرّح، فلا تسمع اليوم لهم الا همساً.
يبدو أنّ الأخطاء السّابقة التي وقع فيها الفلسطيني وجرجرته إلى حرب لا ناقة له بها ولا جمل، كانت كفيلة اليوم أن تجعله يرتّب قوقعته، ويجلس داخلها غارقاً بصمت طويل. ولكن على الرغم من تقوقعه بالشؤون السياسية، إلا أنّ الأمواج العاتية الاقتصاديّة والمعيشيّة التي تتخبط فيها البلاد لا تميّز بين مواطن درجة أولى أو درجة عاشرة، فالكلّ يغرق سواءً كان ثائراً أو نازحاً، لاجئاً، غنياً، فقيراً. ففي المصائب الكلّ سواسية إلا من أدخله الله في رحمته فأخرجه من لبنان سالماً لا مديون ولا مجنون.
وكما يقول المثل الفلسطيني "رضينا بالبين والبين ما رضي فينا"، فقد سُمعت العديد من الأصوات التي استغربت سكوت الفلسطيني وصبره على الأوضاع المعيشية الصعبة بدلاً من الانتحار الذي بات ظاهرة البلاد، حتى أنّ بعضهم ذهب لأبعد من ذلك ضمن أحد خطابات الكراهية والعنصرية، مطالباً بتحويل مساعدات الأونروا للبنانيين لأنهم أحق بها من الفلسطينيين.
إنّ اللاجئ الفلسطيني في لبنان اليوم شأنه شأن اللبناني المُتعب الذي لا يتطلّع إلا للهرب من لبنان الذي بات أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، واحتار اللاجئ في أمره، فقلبه في فلسطين وروحه في القدس، وعينه على الهجرة وعقله في لقمة العيش، أما لبنان فلا شيء فيه إلا الجسد.