كلما شرع الأطباء في علاج المزيد من حالات مرضى كوفيد-19، الذين يعانون من مضاعفات حادة، فإنهم يلاحظون وجود اختلافات في كيفية تلف رئتيهم، بحسب موقع WebMD.
يعاني بعض المرضى القادمين إلى المستشفيات من مستويات منخفضة جداً من الأكسجين في الدم، لكن لا يمكن تشخيص هذه الحالة من مجرد التحدث إليهم، إذ لا يبدو على الكثير منهم أنهم يعانون من نقص الأكسجين، إنما يظهر عليهم فقط بعض الارتباك أو الإعياء لكن يجاهدون من أجل التقاط أنفاسهم. بل، إنه عندما يتم عمل أشعة سينية أو مقطعية للرئتين، تبدو أيضًا بصحة جيدة.
وقد تحتوي الرئتان على مناطق قليلة من الغيوم، مما يشير إلى وجود بقع من الضرر الناجم عن العدوى، لكن تكون معظم الرئة سوداء، مما يشير إلى أنها مليئة بالهواء.
ويقول أحد الأطباء، المشاركين في علاج حالات كوفيد-19 في نيويورك، تظهر الأشعة على الرئتين لدى بعض المرضى وكأنهم متأثرون بأمراض مثل تلك التي تصيب سكان المرتفعات والمناطق المرتفعة عن سطح البحر، أو يبدو الأمر "كما لو أن عشرات الآلاف من المرضى في نيويورك كانوا عالقين على متن طائرة على ارتفاع 30000 قدم، ويتم تقليل الضغط الجوي داخل مقصورة الركاب ببطء".
ويضيف الدكتور كاميرون كايل-سيدل، طبيب متخصص في العناية المركزة بمركز مايمونيدز الطبي في بروكلين، والذي يحرص على مشاركة خبراته مع زملائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن هؤلاء المرضى يعانون من نقص الأكسجين ببطء.
ويقول الدكتور تود بول، مدير مركز الرئتين والتنفس في جامعة كولورادو: "إن أعداداً كبيرة من هؤلاء المرضى يعانون بالفعل من انخفاض الأكسجين في الدم، بينما لا تبدو رئتيهم سيئة إلى هذا الحد". ولاحظ الأطباء في إيطاليا نفس الظاهرة، وأن بعض هذه الحالات احتاجت إلى العلاج بشكل مختلف قليلاً لضمان أفضل النتائج.
وفي مقال افتتاحي في دورية Intensive Care Medicine، كتب الدكتور لوسيانو جاتينوني، أستاذ زائر متخصص في التخدير والعناية المركزة في جامعة غوتنغن بألمانيا، وأحد خبراء العالم في التنفس الاصطناعي، أن أكثر من نصف المرضى، الذين قام بعلاجهم هو وزملاؤه في شمال إيطاليا، كانوا يعانون من مثل هذه الأعراض غير العادية، إذ كان يستطيع المرضى التنفس بشكل جيد، ولكن في نفس الوقت يعانون من نقص واضح للأكسجين في الدم.
وفقًا للدكتور جاتينوني، فإن حوالي 30% من مرضى كوفيد-19، يظهرون أعراضاً أكثر كلاسيكية لمتلازمة ضيق التنفس الحادة ARDS، وتوضح صور الأشعة مناطق غائمة في الرئة، أي أنها متصلبة أو ملتهبة، مما يدل على أنها لا تعمل بشكل جيد، وبالتالي يكون هناك انخفاض في مستويات الأكسجين بالدم، ويلتقطون أنفاسهم بصعوبة شديدة. ويعد هذا النوع من مشاكل الرئة معتادا بين بعض حالات الشديدة المصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا والسارس.
ويؤكد جاتينوني أن الأطباء بحاجة إلى الانتباه إلى كيفية تأثير كوفيد-19 على الرئتين، وغالبًا ما يحتاج هؤلاء المرضى إلى تنفس اصطناعي بشكل فوري، للمساعدة على دفع الهواء إلى الرئتين لزيادة الأكسجين.
ويرى أن مثل هذه الحالات تحتاج للعلاج باستخدام أجهزة التنفس الاصطناعي، ولكن بإعدادات خاصة لضخ الأكسجين بضغط منخفض.
ويعتقد جاتينوني أن مشكلة هؤلاء المرضى ربما لا تكون تورمًا وتصلبًا في أنسجة الرئة، مثلما المعتاد في حالات الالتهاب الرئوي، وإنما تكمن المشكلة في شبكة معقدة من الأوعية الدموية في الرئتين، التي ينبغي أن تتقلص عندما تتضرر الرئتان، بحيث يمكن إعادة مدها بالأكسجين أو يمكن إغلاقها، بحيث يتم تحويل الدم بعيدًا عن المنطقة المتضررة إلى منطقة أخرى بالرئتين، لا تزال تعمل بشكل صحيح، بما يكفل حماية للجسم من انخفاض الأكسجين.
ويستطرد جاتينوني شارحا أن بعض مرضى كوفيد-19 لا يحدث معهم هذا الأمر إذ يستمر تدفق الدم إلى الأجزاء التالفة من الرئتين، وبالتالي يشعر المريض أنه يستطيع التنفس بشكل جيد، في حين أن الأكسجين ينخفض في الدم بشكل كبير.
ويشير الدكتور بول إلى أن مشكلة الأوعية الدموية تشبه ما يحدث في حالة تسمى الوذمة الرئوية التي تحدث على ارتفاعات شاهقة.
ويتعافى مرضى الوذمة الرئوية عند هبوطهم من الارتفاعات العالية ومنحهم الأكسجين. ويتم تزويدهم بالأكسجين، في بعض الأحيان، بواسطة أجهزة التنفس الاصطناعي بالإضافة إلى الأدوية ومنها مدرات البول للتخلص من السوائل التي تغمر الرئتين. ولكن مازال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت أي من هذه الاستراتيجيات تساعد مرضى كوفيد-19.
ويطرح الدكتور بول تساؤلًا حول مدى دقة فرضية وجود مشكلة في كيفية تنظيم الأوعية الدموية لتدفق الدم، قائلًا إنها "مجرد فرضية في هذه المرحلة، ويجب يتم إثبات صحتها من خلال مزيد من البحث والدراسة".
فيما يؤكد جاتينوني أنه من المهم أيضًا ملاحظة أن المرضى الذين يعانون من رئتين طبيعيتين نسبيًا يمكن أن تتدهور حالتهم إلى أن يعانوا من متلازمة ضيق التنفس الحادة ARDS لأن فيروس كورونا يهاجم أنسجة الرئة.
تراجع الأكسجين في الدم
ويرجح جاتينوني أن هؤلاء المرضى، الذين تبدو رئتهم طبيعية، ويعانون من انخفاض الأكسجين في الدم، يمكن أن يتعرضوا أيضًا بشكل خاص لإصابة الرئة المرتبطة باستخدام أجهزة التنفس الاصطناعي، حيث يؤدي الضغط من الهواء الذي يتم دفعه إلى الرئتين إلى إتلاف الشعاب الهوائية الرقيقة. إن الرئتين في حالة التنفس الطبيعي، تتوسعان بسبب الضغط السلبي وينسحب الحجاب الحاجز لأسفل ليفسح مجالا لتوسع الرئتين. ولكن أجهزة التنفس الاصطناعي تعمل عن طريق دفع الهواء إلى الرئتين، وهو ضغط إيجابي، مثل ما يحدث عندما يتم نفخ بالون.
ويمكن أن تساعد هذه الأجهزة المرضى، الذين أصبحت رئتيهم أضعف من أن تعمل، لكنها في نفس الوقت ربما تسبب ضررًا لأنها تجبر الرئة على العمل بطريقة غير مهيأة لها.
ويعتبر دكتور مايكل موهيننغ، طبيب أمراض الرئة وأخصائي الرعاية الحرجة في National Jewish Health في دنفر الأميركية، أنه "عندما يزداد الضغط على الرئتين يمكن أن يسبب صدمة لتلك الأكياس الهوائية الصغيرة والهشة للغاية.
ويشير جاتينوني إلى أن وضع مريض بهذه الحالة على جهاز التنفس الاصطناعي تحت ضغط مرتفع للغاية ربما يتسبب في تلف الرئة.
وفي مقابلة مع مجلة MDEdge، استشهد جاتينوني بأن أحد المراكز في وسط أوروبا، الذي بدأ في استخدام علاجات مختلفة لأنواع مختلفة من مرضى كوفيد-19، لم يشهد أي وفيات بين هؤلاء المرضى في وحدة العناية المركزة، فيما وصل معدل الوفيات إلى 60% في وحدة العناية المركزة بمستشفى قريب لأنه يعالج جميع مرضى كوفيد-19 بناءً على نفس مجموعة التعليمات المتبعة دون مراعاة للفروق بين كل حالة والأخرى.
ويذهب جاتينوني إلى أن كوفيد-19 هو نوع من الأمراض يستلزم من الأطباء التفكير في علاج وفقا لما يمليه علم وظائف الأعضاء. و"لسوء الحظ، لا يستطيع العديد من الأطباء حول العالم التفكير خارج البروتوكول العام المقرر لعلاج كل مرض".
وشدد الدكتور بول أيضا على حدوث مبالغة وإفراط في العلاج بأجهزة التنفس الاصطناعي والنتيجة هي تلف بالرئة ربما لا يمكن علاجه.
ويوضح بول أن أخصائيي أمراض الرئة أحرزوا تقدماً كبيراً في كفاءة في استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي لجعلها أكثر أماناً للمرضى، حيث يعملون على إبقاء الضغط على الرئة عند أدنى مستوى ممكن لمنع الضرر.
وساعدت العديد من الدراسات الحديثة في خفض معدل الوفيات للمرضى الذين يحتاجون إلى استخدام جهاز التنفس الاصطناعي، حيث لا تزيد النسبة عن 16% وفقاً لما جاء بدراسة علمية، نُشرت في دورية New England Journal of Medicine، نتيجة لاتباع خطوات الرعاية المركزة المثلى.
لكن سجلت معدلات الوفيات لمرضى كوفيد-19، الذين تدهورت حالة رئتاهم، نسبًا مئوية أعلى. وربما يكون السبب هو أن بعض مرضى كوفيد-19 غالبًا ما يحتاجون إلى البقاء على أجهزة التنفس الاصطناعي لفترة طويلة، تصل أحيانًا لمدة أسبوعين. ويبقى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم السبب.