إن أثبت لنا الوباء شيئا فهو قدرتنا على التحول السريع والاندماج مع تغييرات كانت ربما ستأخذ منا عشرات السنين، بعد جدل ونقاشات ومعارضة، ففي ظل جائحة كورونا هناك العديد من الخاسرين، وبما أن الخسارة واردة فلا بد من وجود طرف رابح و لا شك أن التكنولوجيا هي ذلك الطرف الأكثر حظا في الربح!
فبين ليلةٍ وضحاها بريطانيا (على سبيل المثال) أصبح بإمكان المريض مراجعة الطبيب عن طريق الفيديو، الخدمة التي كانت تمثل فقط 1 في المئة من المراجعات قبل كورونا. فقد أصبح بإمكانك طلب الدواء عن طريق موقع وزارة الصحة بدعم حكومي سواء محليا أو دوليا، إضافة إلى توافر دعم للمؤسسات للعمل عن بعد، ففي الهند مثلا تطرح الحكومة تطبيقا ليعرف المواطن نسبة احتمالية إصابته بكورونا.
هل نشهد تحولا للعالم الرقمي بلا رجعة؟
يقال إن الأزمات هي السبب الأول في تسريع آلة الزمن، من ذلك نفهم أن التحول للتكنولوجيا ليس تحولا مؤقتا وإنما أسلوب حياة جديد، فقد شهدت الفترة الماضية بناء العشرات من التطبيقات متعددة الاستخدامات، وذلك كتوافر تطبيق لطلب الدواء من الصيدلية أو تطبيق لطلب متطوع يقوم بمهمة التسويق لغير القادر على ذلك، ولا ننسى طبعا تطبيقات التواصل عن طريق الفيديو للشركات مثل (ZOOM) وغيره والذي أتاح فرصة ذهبية للمؤسسات التعليمية لتستكمل مسيرة التعليم عن بعد.
لا شك إذن أن أزمة كورونا زادت من نسبة الوعي عند عامة الشعب مما أسهم في دفع الناس للعالم الافتراضي، فمثلا حتى بعد الانتهاء من كورونا بات الكثير من الناس يفضلون فكرة التسوق عن طريق الإنترنت بدل الذهب للتسوق، وذلك لحفظ مسافة أمان كافية من الاختلاط من جهة، ومن جهة أخرى توفيرا للوقت والجهد والمال، فبات خيار الشراء عن بعد وسيلة متاحة وفعالة في كثير من أرجاء المعمورة.
بذلك نستطيع القول إن السهم قد انطلق ولا عودة للحياة كما كانت عليه قبيل كورونا، ففي ظل الأزمة اكتشف مثلا المستثمرون أن كل ما يحتاجونه للقيام بعملهم هو جهاز حاسوب، وشبكة إنترنت، وليس مكتبا مستأجرا أو مملوكا. وما يُذهب إليه أنه حتى لو اكتشف العلماء لقاحا ضد كورونا، فالخطر دائما موجود، لذلك لا بد للشركات القيام ببناء شبكة توريد محدثة تتكيف مع العالم الافتراضي وسيصبح السفر والتنقل جزءا من الرفاهيات.
وفي معرض هذا الحديث يقول الخبير التكنولوجي البريطاني "بن فليببس": "إننا جميعا استوعبنا الانتقال للعالم الافتراضي واستوعبنا أن الأمر أسهل مما توقعنا، وأنه صار بإمكاننا القيام بأي شيء عن طريق الإنترنت، وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد زاد الاعتماد على الإنترنت أضعافا مضاعفة".
يأتي العالم الافتراضي مع مزايا كانت منذ وقت قريب مرفوضة رفضا قاطعا. ولكن هذه المزايا جعلت الفرد متقبلا بل مصمما على استخدامه، فمثلا تقوم شركة جوجل بإنتاج تطبيق يقوم بتعقيب حركة الإنسان وينذره في حل اقترب من مصاب بكورونا! هذا التطبيق يغزو خصوصية المستخدم لكنه مقبول في ذهن البعض لأنه يوفر الأمان بالنسبة لهم. وإذا وضعنا الخصوصية في كفّة والأمان في كفة أخرى فإن رجحان كفة الصحة والأمان سترجح لا محالة، و هذا بالطبع ما سيعزز من انتشار التطبيقات ذات الأهداف المتعددة معلنة كانت أم غير معلنة.
إن الانتقال للعالم الافتراضي يأتي مع نسيان فئة كاملة من الشعب: كبار السن. فقد نسي كثير من الناس أن غالبية كبار السن بشكل عام لا يجيدون استعمال الإنترنت بشكل متقن، فقد لا يجيد مهام سهلا مثل طلب الدواء أو تعبئة طلبات المساعدة الحكومية، فبين هذا وذاك تظل التكنولوجيا حاضرة الوجود في الحياة، وبانتظار البيئة الخصبة لانتشارها، ويبدو أن الفيروس أتاح لها بيئتها التي بها ستغدو حلا وبديلا في عالم يعج بالمتغيرات!
فمع المخاطر والتحديات الجديدة، ما هو العادي الجديد؟