سلطت كاتبة إسرائيلية الضوء على إنشاء فرق المستعربين الإسرائيليين منذ مرحلة ما قبل قيام الاحتلال، خاصة أولئك "الذين عاشوا على هامش المجتمع الإسرائيلي، اختلفوا في لغتهم وثقافتهم، وانخرطوا في عصابة "البالماخ" الصهيونية، التي أنشأت "الدائرة العربية"، وهي مجموعة من المهاجرين اليهود من الدول الشرقية والعربية التي تم إرسالها إلى بعثات تجسس، واعتبرت في حينه البنية التحتية لإمبراطورية المخابرات الإسرائيلية".
وقالت "ريكي مامين" في تحقيقها الاستقصائي المطول الذي نشرته صحيفة "مكور ريشون"، إن "عددا من هؤلاء المستعربين الجواسيس انضموا في بداية الأمر إلى جيش الإنقاذ، أو القوات العربية المسلحة الأخرى، ومنهم "إبراهيم وعبد الكريم"، وأسماؤهما الحقيقية: "حبقوق كوهين وإسحق شوشان"، هما من رواد أنشطة التجسس التي ساعدت الدولة اليهودية".
وأضافت أن "ربيع 1948، وهي مرحلة ما قبل نشوء الدولة، ولم يكن لدى الاثنين آنذاك جهاز اتصال، ولم تصل إليهما معلومات حول ما يجري إلا من الشائعات المحلية ووسائل الإعلام، لكنهما أفادا بأن كل فلسطين سقطت في أيدي الجيوش العربية، وافترض العملاء المذعورين أنه ليس لديهم مكان يذهبون إليه، وفي الصيف، بعد الحصول على معدات الاتصال، اكتشفا أن "دولة إسرائيل على قيد الحياة وبصحة جيدة".
وأشارت إلى أنه "يمكن القول إنه في أحد مباني قلب بيروت، العاصمة اللبنانية، ولد عالم التجسس الإسرائيلي، وتم وضع البنية التحتية الأولية لأنشطة المؤسسة الاستخبارية المستقبلية، من خلال عملهما في "القسم العربي" داخل عصابة "البالماخ"، وحين عادا إلى القدس، وجدا نفسيهما في بيئة مشابهة لتلك التي عرفوها في مرحلة الطفولة، ومغروسين في المقاهي والمساجد، وشرعوا في عمليات سرية بطريقة مهددة للحياة".
وأوضحت أنه "بين عامي 1943-1950، قدم الاثنان معلومات استخبارية قيمة ساهمت بشكل كبير في إنشاء الدولة اليهودية، وحمايتها، لكن الأمن الإسرائيلي بعد سنوات طويلة تناساهما، وألقى بهما من رفوف التاريخ، لكن ماتي فريدمان الكاتب في العديد من الصحف العالمية مثل وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، أصدر مؤخرا كتابه الجديد حول التجسس الإسرائيلي في بداياته الأولى عبر هذين الجاسوسين".
وأشارت إلى أن "عنوان الكتاب الذي تعرض لقصة الرجل المتخفي في أثناء عمله هو "سر التاج - مطاردة أقدم مخطوط من الكتاب المقدس، للكتابة، وقد جلس مع إسحاق شوشان بمدينة بات يام قرب تل أبيب المحتلة، قائلا: إنني ذهبت لرؤية جاسوس قديم، أخبرني قصة عن ولادة إسرائيل لا تشبه أي قصة أعرفها، وبدت مختلفة بالنسبة لي، أدركت حينها أنها قصة تستحق الخوض فيها".
وأوضحت أن "تفاصيل الكتاب تدور عن 4 جواسيس كبار من بين 25 عميلا، عملوا مع الإدارة الإسرائيلية على مر السنين، بعضهم تركوا وثائق استخبارية جمعوها في 1990، وتبين لاحقا أنهم يتحدثون العربية، ويبدون مثل العرب، أي مثل العدو، ولا يرتبطون ارتباطا وثيقا بالرواية الصهيونية".
وتواصل أن "هؤلاء الجواسيس كانوا يجودون الآيات القرآنية من الراديو، يتوضؤون كما العرب، يملؤون أفواههم بالمياه، يبصقونها 3 مرات، ويقومون بحركات يدوية معروفة لكل مسلم، ويعلمون أن هذه الممارسة ضرورية، أي خطأ قد يثير الشك، ويبعدهم عن تحقيق هدفهم المتمثل باختراق الجمهور العربي، وهم بذلك شخصيات موهوبة، تؤدي دورها 24 ساعة في اليوم، ويقتربون من حافة الجنون".
وأكدت أن "مصطلح التجسس لم يولد في الجيش الإسرائيلي في الثمانينيات، بل تصف رجلا يتصرف ويعيش كما لو كان عربيا، رغم أنه ليس كذلك، ويعمل في جمع المعلومات، ويمارس النشاط السري بين "إسرائيل" والدول العربية، مع إخفاء هويته الحقيقية، حيث بدأت الوحدة عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، في 1943 ، كلف ألون يروحام كوهين، أحد أعضاء الإدارة، بإنشاء "قسم عربي" في البالماخ لجمع المعلومات الاستخبارية، بقصد استبدال العملاء الجدد بمخبرين عرب عملوا من أجل المال".
وأوضحت أن "كوهين تنقل في جميع أنحاء البلاد بحثا عن مرشحين مناسبين، خاصة من أصحاب السمات الشرقية، وسميت الوحدة "إدارة الفجر"، عند القراءة عن عمليات العصابة يصعب تصديق أنهم بالكاد خضعوا للتدريب المناسب، فأحدهم "شمعون سومخ" أصبح على مر السنين جاسوسا، وعلم إيلي كوهين الذي عمل لاحقا في سوريا أسرار مهنته، كان دليلا لهم على الثقافة العربية والإسلامية".
وأشارت إلى أن "مدربا آخر علمهم تفكيك الأسلحة وتجميعها، وألقى مدرب ثالث دورة تدريبية، لكن اللافت أن هؤلاء الجواسيس لم يتلقوا أي مدفوعات مالية أيضا، وكان راتبهم الوحيد معرفة أنهم يتم تسخيرهم لمصلحة الشعب اليهودي، وهم خلال ذلك واصلوا العزف والغناء والقرع على المخللات، وشربوا القهوة السوداء، أما بالنسبة للشباب اليهودي الأوروبي، فقد علموا أنهم أمام عالم غريب لم يعرفوه من قبل، لكنهم تعلموه لاحقا".
وأوضحت أن "هؤلاء الجواسيس دأبوا على المرور عبر نقاط التفتيش العربية عدة مرات، ووضعوا مئات الكيلومترات من المتفجرات في السيارات، واغتيال بعض القادة العرب في حيفا، ومنهم الخطيب محمد نمر الخطيب، بعد مراقبة مطولة وجمع معلومات استخباراتية، وتم نقلها للمستويات العسكرية والسياسية في "إسرائيل"، بعد تدريب العديد من النساء القادمات من العائلات اليهودية اليمنية، الموجودة في "إسرائيل" لسنوات عديدة".
وأشارت إلى أن "هؤلاء الجواسيس" أدركوا أن وظيفتهم هي فهم العالم العربي بجمع المعلومات الاستخباراتية، والانضمام لبعض الأحزاب العربية، وكان استخدام "السرية" جزءا من التقاليد اليهودية".