درج في عالم التحليل السياسي أن يخرج للناس مصطلح يوصّف الحالة، ومع مرور الزمن نبقى في وصف من هو أسوأ حالا بذات المصطلح، أضرب لذلك مثلا وهو حال الامارات والاتفاقية التي خرجوا علينا بها بالأمس، فوصفنا الامارات بالتطبيع لم يعد كافيا إذ جاوزت هذا الى ما هو ابعد من ذلك بكثير. لذلك لا بد من البحث عن مصطلح يوافق الحال بشكل أفضل من مصطلح التطبيع.
الامارات تلعب دورا رياديا في قيادة الشرّ في المنطقة وهي في حالة نشطة جدا في عدة دول محيطة: اليمن وليبيا وسوريا وتمارس الاجرام الدموي بشكل مريع يندى له الجبين وكذلك تحاول تحسين صورتها بتوزيع وجبات الإفطار الرمضانية في ساحات المسجد الأقصى (وبالمناسبة رفضها الناس آخر رمضان) وتقوم بمسابقات لحفظ القران الكريم وتوزّع الجوائز السخيّة، فأيّ تطبيع نتحدّث عنه؟
هناك من يطبّع أو يقيم علاقات وديّة وتجارية وسياسية وتنسجم سياسته مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي بعد أن يعترف بهذا الاحتلال ويصنفه بدولة صديقة بدل عدوّة.
وهناك من يرفع من مستوى التطبيع ليصل الى المستوى الأمني في تبادل الخدمات الأمنية من معلومات ورصد ومتابعات فيسخّر قدراته الأمنية في ما يسمّى محاربة الإرهاب، وهنا ندخل الى تعريف الإرهاب فإذا سلّمت هذه الدولة المطبّعة بالتعريف الإسرائيلي للإرهاب قدّمت قدراتها وخبراتها سخيّة رخيّة للاحتلال، ودخلت معه في حلف أمني يحارب المقاومة سواء كانت فلسطينية او لبنانية ودخلت معه أيضا محاربا " الإسلام السياسي" الذي يشكل خطرا على كليهما.
وهناك من يتماهى كليّا في خدمة المحتلّ الإسرائيلي لأنه بهذا يحافظ على الدعم الأمريكي وبالتالي يحافظ على استمرار حكمه الشمولي للبلاد والعباد. وهنا لا يمكن أن نبقى على ذات التسمية " التطبيع" وانما لا بدّ من نحت مصطلح يناسب الحال، وهو أكثر وأعمق من مصطلح مالك بن نبي: " قابلية الاستعمار" وأبعد أيضا من مصطلح علي شريعتي: " الاستحمار"، هذا الرضوخ التامّ في مراعاة المصلحة الأمنية الإسرائيلية وحتى دون الالتفات الى مصلحة الذات هو العبودية الخالصة للاحتلال وهي شبيهة العبودية التي طلبها رب العباد من عباده المتقين.
وهناك درجة أعلى وهي المبادرة والتفاني في التحرّك الذاتي بحيث يفوق ما يتوقّعه منه المحتل، تماما كما تفعل الامارات هذه الأيام بقوّة دفع رباعية تتحرّك على عدة جبهات بحيث تفاجئ المحتل بأداء أفضل بكثير مما يتوقعه منها. فما فعلته مثلا في اليمن مع شقيقتها السعودية منذ ما يزيد عن أربع سنوات فاق كل خيال اجرامي ولا حتى سينما هوليود في أفلام الرعب التي تنتجها، وما فعلته في سوريا وليبيا، في كلّ بؤرة فتنة وفساد نجد الانف الاماراتي في الباع والذراع والمال والسلاح وشراء الذمم وتقديم كل إمكاناتها بشكل مريع، تفعل أكثر مما يطلبه منها أعداء الامّة طواعية ومجّانا. وإذا وصفنا المستوى السابق بالعبودية الخالصة فماذا ترانا نصف هذا المستوى؟ هل هو الفناء الذي وصفه الصوفية لمن فني عن ذاته ولم يبق منها شيء الا وبذله في حب ربّه؟
لقد بلغت الامارات بإخراج ما كانت عليه تحت الطاولة الى العلن درجة من الصعب ان نجد لها في اللغة وصفا ولا في تاريخ الخيانة مثيلا، هي ليست مجرد تابع او ذيل أو مطبّع أو خادم أو عبد أو أداة من أدوات الاحتلال في المنطقة أو شيطان أو راس للشرّ، بل هي كل ذلك وأكثر، لقد اصطفت بنو قريظة مع العدوّ وسخّرت قدراتها وامكاناتها مع من جاء ليبيد ويستأصل شأفة المدينة المنوّرة، هكذا على الاقلّ تفعل الامارات مع أعداء الامة، وتزيد على ذلك بما تبادر من ذاتها متطوّعة ومتفانية بقوة مالها وسلطانها وكلّ قدراتها المهولة فبدل ان تسخرها للامة فقدت البوصلة وسخرتها لأعداء الامة.