في الخلف, في المقاعد الخلفية للفصول المدرسية ينتشرون... قاماتهم طويلة, كبار في السن, بسبب الرسوب المتكرر, يهابهم المعلمون, فيجلسونهم بالخلف, حتى لا يحجبوا الرؤية عن الطلاب, ولا يعلموا مجريات الحديث الدائر من تحالفات وخلافات وقتال متأخر بعد الدوام. كان القاسم المشترك بين "السُّقَّط (المتأخرين دراسياً) أنهم يحولون الفصل لمائدة طعام, عبر تبادل "الترمس" و"الفول النابت", ورائحة الزيتون والليمون يفوح شذاها, بوقت يحددونه مسبقاً بالاتفاق مع بطونهم, ومزاجهم, وهو غير مرتبط بالكامل مع نوعية المدرس أو توقيت ما. وتشترك فيما بينهم ميزة ثانية وهي الغش, فيقوم الطلبة من متوسطي التحصيل العلمي المجاورين لهم بمهمة التَّغْشِيشْ طلباً للحماية. هؤلاء هم من كانوا يتقدمون الصفوف في انتفاضة الحجارة, مع العشرات من متوسطي التحصيل العلمي, لأن لديهم طاقة غريبة, وقلوبهم كجلمود صخر, لا يخافون..... و"يا وِيلُه وَيْلْ" من يكون نصيبه أن يتعارك مع أحد هذه الوجوه العنيفة بعد انتهاء الدوام... في الفصل قد تتشابه القواعد السياسية والعسكرية والاقتصادية مع تلك التي في الواقع, فالسُّقاط هم من سيطروا على عرافة الفصل, وتشكلت منهم فرق النظام المدرسية كقوة رادعة مع أنهم أسياد الاخلال بالنظام, وكوَّنوا التحالفات العسكرية الخاصة والتي سرعان ما تتوحد عن أي هجوم من فصل خارجي, كما أن المعلمين لا يغيبونهم عن أي حدث خصوصاً أنهم يملكون مهارات خاصة رياضية أو غنائية, فبعضهم كان يحفظ أغنية ثورية مثل "يمَّا هدُّوا دارنا" وظل يغنيها على مدار العام في الاذاعة المدرسية أو في احتفالات الفصل الخاصة. وآخرون كانوا يمتلكون لياقة بدنية عالية, فكانوا جزئ لا يتجزأ من تكوين الفريق المدرسي لكرة القدم أو الطائرة, وكان لهم جمهورهم الخاص. السقاط عاد بعضهم ليتقلد منصبا ما في مكان ما بعد سنوات على رسوبه, وبدأ يكون التحالفات الخاصة به, ويخترق القانون بقوة القانون, ويرتكب أخطاء خاصة....