يوافق اليوم الذكرى السنوية الثانية لعمليّة "حدّ السيف"، والتي أحبطت فيها كتاب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" عملية استخبارية إسرائيلية نوعية.
وتبدأ القصة في اكتشاف القائد الميداني في كتائب القسام الشهيد نور بركة، لوحدة صهيونية خاصة، كُشف لاحقا أنها إحدى نخبة الوحدات الخاصة لدى الاحتلال وهي "سيرت ميتكال".
وتعامل الشهيد بركة ورفاقه، مع الوحدة الصهيونية وكشفوا أمرها، واشتبكوا مع عناصرها ولاحقوها، حتى قتل قائد الفرقة الصهيونية وأصيب عدد آخر، فيا ارتقى الشهيد نور بركة وعدد من رفاقه في العملية.
تفاصيل العملية
ونشرت كتائب القسام وقتها، تفاصيل العملية، والتي أذهلت الجميع في القدرة العسكرية للقسام في مواجهة، بل التغلب على القدرات الأمنية الصهيونية.
وقالت القسام في بيان لها: "تسللت مساء الأحد 03 ربيع الأول 1440هـ الموافق 11/11/2018م قوةٌ صهيونيةٌ خاصة مستخدمةً مركبةً مدنية في المناطق الشرقية من خانيونس، حيث اكتشفتها قوةٌ أمنية تابعة للقسام وقامت بتثبيت المركبة والتحقق منها، كما حضر إلى المكان القائد الميداني/ نور الدين بركة للوقوف على الحدث".
وأضافت أنه "وإثر انكشاف القوة بدأ مجاهدونا بالتعامل معها ودار اشتباك مسلح أدى إلى استشهاد القائد الميداني نور الدين محمد بركة والمجاهد محمد ماجد القرا، وقد حاولت المركبة الفرار بعد أن تم إفشال عمليتها، وتدخل الطيران الصهيوني بكافة أنواعه في محاولة لتشكيل غطاءٍ ناريٍ للقوة الهاربة، حيث نفذ عشرات الغارات، إلا أن قواتنا استمرت بمطاردة القوة والتعامل معها حتى السياج الفاصل رغم الغطاء الناري الجوي الكثيف، وأوقعت في صفوفها خسائر فادحةً حيث اعترف العدو بمقتل ضابطٍ كبير وإصابة آخر من عديد هذه القوة الخائبة".
"وقد هبطت طائرةٌ مروحيةٌ عسكرية صهيونية قرب السياج وقامت تحت الغطاء الناري المكثف بانتزاع القوة الهاربة وخسائرها الفادحة، وقد قام مجاهدونا باستهداف هذه الطائرة من مسافةٍ قريبة، فيما أغارت الطائرات الحربية على المركبة الخاصة بالقوة المتسللة في محاولة منها للتخلص من آثار الجريمة والتغطية على الفشل الكبير الذي منيت به هذه القوة ومن يقف وراءها".
وأعلنت المقاومة أن ثلة من مجاهدي المقاومة ارتقوا أثناء عمليات المطاردة والاشتباك المباشر وهم: علاء الدين فوزي فسيفس ومحمود عطا الله مصبح ومصطفى حسن أبو عودة وعمر ناجي أبو خاطر إضافة إلى الشهيد المجاهد خالد محمد قويدر من ألوية الناصر صلاح الدين.
ذهول إسرائيلي
المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، يوسي يهوشع، قال إن معركة الوعي التي يخضوها الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العالم (الشاباك) منذ سنين في قطاع غزة، ارتدّت عكسياً فتأثر بها الإسرائيليون أكثر من سكان القطاع".
وكتب اليكس فيشمان المعلق العسكري في "صحيفة يديعوت" العبرية، أن العملية التي قُتل فيها المقدم م. كشفت عن إخفاقات في واحدة من أكثر الهيئات سرية في الجيش الإسرائيلي.
وأضاف "فيشمان" عندما يتم الكشف عن مثل هذه الشبكة، فإنها تشكل صدمة حقيقية لمؤسسة الاستخبارات التي قامت ببنائها. لأنه في مثل هذه الحالة، من الضروري بناء بنية تحتية جديدة، وهذا قد يستغرق شهوراً أو حتى سنوات. بطبيعة الحال، خلال الفترة الانتقالية كان هناك انخفاض في نطاق نشاط وقدرات تلك المنظمة.
وتابع: "كشف المقاتلين على الأرض، الذي أدى إلى فشل العملية في خان يونس، أصبح رافعة لفحص متعمق لمجموعة كاملة من العمليات الخاصة".
رد القسام
تدرجت كتائب القسام في ردها بثقة عالية وقدرة عالية في جولة تصعيد قصيرة، تثبت وعي المقاومة وحساباتها المتوازنة للأمور فهي ليست عشوائية أو عبثية.
ففي 12 نوفمبر من العام 2018م، ورداً على العملية الصهيونية الفاشلة، ودماء الشهداء، استهدفت كتائب القسام حافلةٍ للجنود الصهاينة في منطقة أحراش مفلاسيم شرق جباليا بصاروخٍ موجهٍ من طراز "كورنيت"، أسفرت عن مقتل وإصابة من بداخلها ونشر القسام شريطاً مصوراً يوثق لحظة استهداف الحافلة.
وشهد قطاع غزة بعدها موجة تصعيد ضربت خلالها كتائب القسام المدن المحتلة بالمئات من الصواريخ محلية الصنع، وكشف القسام لاحقاً أنه أدخل للخدمة صواريخ جديدة تحمل رؤوساً حربية ثقيلة استخدمها خلال حد السيف في دك عسقلان.
وقد أعلنت على إثرها المصادر الصهيونية أن بعض الصواريخ حققت إصابات مباشرة في المباني وأوقعت 3 قتلى وأكثر من 100 إصابة، ووصفت الصواريخ بالمتطورة وعالية الدقة.
وانقضت على مدار أيام سواعد المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام من تحت الرماد تؤلم الكيان الصهيوني، لتؤكد أن غزة أمام تغول العدو ومن يسانده على قتل روح المقاومة في قلب شعبنا الأبي العصي على الانكسار الرافض لكل أشكال الخنوع والخضوع.
بالصوت والصورة
وكشفت قناة الجزيرة بعد مرور عام على عملية "حد السيف"، تفاصيل جديدة تعرض لأول مرة حول تسلل الوحدة "الإسرائيلية" الخاصة شرقي مدينة خانيونس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018.
حيث كشف برنامج "ما خفي أعظم"، أدلة وصور ووثائق خاصة بالوحدة "الإسرائيلية" الخاصة، كما عرض البرنامج تفاصيل الاشتباك، الذي جرى بين عناصر كتائب القسام، وتلك الوحدة المتسللة.
وقال أحد مقاتلي القسام، الذين تصدوا للقوة الإسرائيلية الخاصة: "تحدثت مع القوة الإسرائيلية الخاصة، وقال أحد أفرادها إنهم جاؤوا لزيارة قريب لهم، لكن الشهيد "نور بركة شك فيهم واستدعى الأمن".
وأشارت كتائب القسام، إلى أن القوة الإسرائيلية الخاصة استخدمت هويات مزورة لعائلة فلسطينية حقيقية، ولديها نفس الباص الذي استخدمته القوة، ولفتت إلى أن "قوة إسرائيلية ثانية، كانت ترقب ما يحدث مع القوة الإسرائيلية التي استجوبناها، واستمر التحقيق معهم لـ 40 دقيقة".
ونوه أحد مقاتلي القسام، إلى أنه "أثناء استجواب القوة باغتونا بإطلاق النار، واستشهد القائد نور بركة، وأحد مساعديه، وأصبت بعد إطلاقي الرصاص تجاه القوة، وإصابة قائدها، وبدأت عملية المطاردة".
وكشفت القسام، أن القوة الإسرائيلية الخاصة التي تسللت لغزة، حاولت زرع جهاز تجسس على اتصالات المقاومة.
وأضافت أن منظومة تجسس متطورة، جرى كشفها، زرعت على خط الاتصال السري للقسام بالزاويدة في المحافظة الوسطى، قبل عام ونصف، حيث زرع الاحتلال عبر عملائه جهاز تجسس مرتبط بغرفة مفخخة وتم كشفها.
لا زالت حاضرة
عملية "حد السيف" لا يزال صداها يتردد في أروقة مؤسسات الكيان الأمنية والعسكرية، فقيادة العدو لم تتوقف للحظة عن البحث والتحليل والتعليل، وتارة أخرى البكاء والعويل على من قتلوا في تلك العملية النوعية، والسؤال عن حالة الجبن التي أصابت جنود نخبته التي يعول عليها الذين فروا أمام بسالة رجال القسام يجرون أذيال الخيبة والهزيمة.
العملية كانت بمثابة فضيحة كبرى لأجهزة الاستخبارات العسكرية، حيث تسبّبت العملية في كشف العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الصهيونية بعديد من المناطق العربية والإسلامية وضد المقاومة بغزة، بالإضافة لكشف العديد من العملاء وفق ضربة أمنية للحكومة وأجهزة المقاومة الأمنية.
ما قام به المقاومون في غزة كان بمثابة انتصار مدوٍّ على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي يتفاخر بها الصهاينة منذ عقود، وبالتالي كسر الفلسطينيون حاجز الرعب هذا إلى غير رجعة، خاصة وأنهم حصلوا على معلومات موثّقة عن آلية عمل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية من خلال العملية التي جرت مساء يوم 11 تشرين الثاني 2018، عندما تسللت قوة إسرائيلية خاصة إلى قطاع غزة بهدف زراعة منظومة تجسس للتنصت على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في قطاع غزة، فتتحول إلى صيد ثمين لمقاتلي كتائب القسام، ويسقط كنزاً استراتيجياً في قبضة القسام، لم تكن لتحصل عليه عبر سنوات من صراع الأدمغة.
نتائج “حد السيف”
كانت نتائج هذه العملية بمثابة "حدّ السيف" الذي قصم ظهر المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وكسر هيبتها، فكل التقديرات الأمنية والعسكرية، سواء لدى المقاومة أم الاحتلال، تشير إلى أن فشل الاحتلال بسيف المقاومة في خانيونس ستكون لها امتدادات رادعة للاحتلال مستقبلاً، في حال فكّر بخوض عمليات مماثلة بسبب حجم الخسائر متعددة الأوجه والجوانب.
خسائر تبدأ من انكشاف الفريق الأمني العسكري الخاص الذي تعايش مع غزة لسنوات وخاض تدريبات نوعية جعلته الأخطر والأجرأ، حيث تمكّنت كتائب القسام من “كشف أفراد القوة بأسمائهم وصورهم وطبيعة مهماتهم والوحدة التي يعملون فيها، بعد مقتل قائد القوة التي تم سحبها من المكان في عملية عسكرية معقّدة، تدخل خلالها الطيران الحربي والمروحي وطائرات الاستطلاع والمدفعية الصهيونية، ونُفذت عشرات الغارات على محاور الطرق وضد المقاومين الملاحِقين للقوة الخاصة الهاربة، إلى أن تمكّنت القوة الخاصة من الهروب بالقتيل والإصابات تحت هذا الغطاء الناري، وبمساعدة طائرة مروحية قامت بإخلائها”.
ولا تنتهي الكارثة الأمنية عند خسائر القوة الخاصة، فقد سيطرت” القسام” على أجهزة تقنية ومعدات تحتوي على أسرار كبيرة (ظن العدو أنها تبخّرت باستهدافه لمركبات ومعدات القوة) تمكّنت من خلالها معرفة أساليب عمل وحدات النخبة، ونشاطها الاستخباري والتخريبي في فلسطين والعديد من الساحات الأخرى، من خلال مستوى أمني احترافي يعتمد على تقنيات معقدة تنفرد دولة الاحتلال وبعض الدول الكبرى بامتلاكها.
كما استطاعت المقاومة وللمرة الأولى، من خلال ما حصلت عليه من معلومات وأدوات استخباراتية، أن تكتشف كيف تدار العمليات الأمنية في فلسطين ودول الجوار، بتفاصيل دقيقة، وبناء على هذه الصورة الكاملة تمكّنت المقاومة والأجهزة الأمنية في غزة، من ضرب البنية الأمنية التحتية التي يعتمد عليها في عملياته السرية في قطاع غزة، متمثلة بشبكة جواسيس وأساليب وطرق تمويه تعتمد على شخصيات أجنبية ومؤسسات تعمل تحت لافتة مؤسسات أهلية وإغاثية دولية، ومحطات للرصد والمتابعة والإيواء للقوات الخاصة.
وقد استخدمت القوة التي سقطت في خانيونس هذه الإمكانيات، حيث تضمّنت خطة التمويه كل الوثائق اللازمة والغطاء لتنفيذ مهمتها، فزوّرت بطاقات شخصية باسم عائلات حقيقية في غزة، واستخدمت مركبتين بأوراق مزورة، وزوّرت أوراقاً لجمعية خيرية استخدمتها كغطاء لعملها، كما استأجرت القوة إحدى الشاليهات في منطقة خانيونس من مواطن فلسطيني لعدة ساعات كنقطة التقاء.
ومن بين توابع الفشل المدوي للعملية على الصعيد المعنوي، كسر الهيبة الأمنية للاحتلال التي طالما تباهى بقوتها أمام العرب والفلسطينيين، فقد ظلّت الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) إلى عهد ليس بالبعيد، محل مباهاة ومفاخرة صهيونية، وعلامة فارقة في تاريخ العمل الاستخباري، وخصوصاً ذلك المتعلق بالعمليات المباشرة وتهيئة الأرضية لها، سواء أكان في فلسطين أم خارج فلسطين.
البهرجة والهالة التي أحاطت بهذا الجسم تلاشت في لحظة وتبخّر في شوارع خانيونس إبّان عملية حد السيف، وتثبت الأيام ومجريات الأحداث التي تعصف بالاستخبارات العسكرية الصهيونية أن المقاومة وكتائب القسام لم تكن تخدع جمهورها ولا تدغدغ عواطفه، حين وصفت ما حدث لوحدة سييرت ماتكال (وحدة نخبة في جيش الاحتلال) ومن بعدها للاستخبارات العسكرية الصهيونية بالضربة القاسية والأشد في تاريخ الاحتلال.
لقد تسبّبت عملية حد السيف باستكمال الهزيمة وكيّ الوعي عندما ردّت المقاومة بقصف مستوطنات الاحتلال، ومن ثم استقالة ليبرمان وتحوُّل نتنياهو من شخص مجمَع عليه في كل الاستطلاعات أنه حامي الحمى إلى شخص يوازي في وزنه أي قائد صهيوني آخر، كما سقطت صورة وحدة سييرت متكال، وتزعزعت الثقة لدى ضباطها وجنودها.