قالت دراسة إسرائيلية إن "المخابرات الأمريكية ترى أن الصين تمثل التهديد من أعلى إلى أسفل للولايات المتحدة، وتقارن الصراع الحالي ضدها بالحرب الباردة ضد موسكو، بل أسوأ، ولذلك يجب على إسرائيل أن تدرس بنفسها أبعاد التحدي المباشر لها من علاقاتها مع الصين، وفي الوقت نفسه تستوعب الحساسية الشديدة لحليفها الاستراتيجي تجاه القضية، وتتعلم من دروسها".
وأضافت الدراسة التي أعدها الضابط الإسرائيلي آساف أوريون ونشرها معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن "نظرة المخابرات الأمريكية للصين بأنها التهديد الأول لها، يتطلب من حلفائها، لا سيما إسرائيل، لمواجهة هذا التحدي، والاستعداد له، ومعرفة ماذا يجب ان تفعل من أجل تعزيز مواردها الاستخباراتية المخصصة للصين، وصياغة تقييم مستقل وقائم على أسس جيدة لتحدياتها".
وأكد أوريون، الرئيس السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الاحتلال، وعمل بفيلق المخابرات والوحدة 8200، ونسق الاتصالات مع القوات الدولية في لبنان-اليونيفيل، وعمل بوفد "الجيش" للتفاوض مع الفلسطينيين، أن "المعطيات الأمنية الإسرائيلية تعتبر أن الصين تشكل تحدياً لها، مما يتطلب من أجهزتها الأمنية تحديد الثغرات في استجابتها الحالية، وتعزيز إدارة المخاطر في سياستها المنحازة للفرص، والحساسية تجاه واشنطن".
وأشار إلى أن "الصين لا تشكل التهديد الأول لإسرائيل، لكنها تمثل تحديًا لافتاً لأمنها القومي، رغم الفرص الاقتصادية المهمة، مع أن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية تتحدث أن الصين تسعى جاهدة للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية في العالم، وتعمل مبادراتها العامة وشركاتها التجارية كغطاء لأنشطة الحزب الشيوعي الصيني".
وكشف أنه "كجزء من تجسسها الاقتصادي، تسرق الصين رأس المال الفكري من الشركات العالمية، وتنسخ تقنيتها، وتدفعها خارج الأسواق العالمية، وبالتالي تسبب أضرارًا جسيمة لقيمة الشركات والتوظيف، حتى أن المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية تتحدث أن سرقة الصين لرأس المال الفكري يكلف الولايات المتحدة 500 مليار دولار سنويًا".
وأوضح أن "الصين تسطو على التقنيات الأمنية لتصبح القوة العسكرية الرائدة، وتستغل أجهزتها الاستخباراتية احتياجات شركات التكنولوجيا، وتم تحذير حلفاء الولايات المتحدة، ومنها إسرائيل، أن استخدام التكنولوجيا الصينية سيحد من قدرتهم على تبادل المعلومات الاستخباراتية معهم".
وأشار إلى أنه "من المهم لإسرائيل أن تقرأ هذه السطور بعناية، فالصين لا تهدد بإخراج إسرائيل من مكانتها في العالم، وليست هدفًا ذا أولوية قصوى لجهود الصين الاستراتيجية، فإسرائيل بعيدة عن شرق آسيا والمحيط الهادئ، والجيش الصيني لا يهددها، لكن إسرائيل في الوقت ذاته تتأثر بصادرات الأسلحة الصينية للمنطقة، مع أن الاعتبارات الأيديولوجية ليست بصميم السياسة الخارجية لإسرائيل، بل براغماتية بشكل أساسي".
وأكد أن "الموقف من الصين مسألة جديدة تتداخل فيها مصالح إسرائيل وحليفها الكبير في الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن التنافس الأمريكي مع الصين سيستمر خلال فترة ولاية الرئيس بايدن وبعدها، رغم علاقاتهما الاقتصادية الواسعة، ولذلك لا يمكن لإسرائيل أن تكون غير مبالية بمسألة إضعاف الولايات المتحدة، التي تشكل قوتها ودعمها حجر الزاوية في الأمن القومي لإسرائيل".
وأظهر أن "إسرائيل تتعامل مع الصين ضمن الحدود التي رسمتها الولايات المتحدة، فمنذ بداية العقد الأول من القرن الـ21، توقفت الصادرات الإسرائيلية الدفاعية للصين بناءً على طلب واشنطن، رغم أن إسرائيل تعتبر الصين شريكًا تجاريًا مهمًا، وهي محقة في ذلك، لأن رأس المال والأسواق والقدرة الإنتاجية للصين، والقدرة على بناء البنية التحتية، تقدم مساهمة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي، ويتوقع أن تنمو بشكل أكبر".
وأوضح أن "إسرائيل أدركت جيدًا هذه الإمكانية باعتبارها فرصة، وتعمل على استغلالها، لكن إسرائيل تميل لتحديد جانب المخاطرة في علاقاتها مع الصين بشكل أساسي، مع استجابة الولايات المتحدة لها، مع أن التحذير الأمريكي من تقويض التعاون الاستخباراتي ليس موجهًا لإسرائيل، التي ستستند بنيتها التحتية للاتصالات من الجيل الخامس على الشركات المصنعة من الغرب، بدلاً من الصين".
وأكد أن "صناعة التكنولوجيا الفائقة هي المحرك الرئيسي للنمو في إسرائيل، وتم تصميم "شراكة الابتكار الشاملة" التي أُنشئت مع الصين في 2017 لاستنفاد الارتباط بين الابتكار التكنولوجي الإسرائيلي، وطلب الصين عليه، وتسعى الحكومة الإسرائيلية جاهدة لتجنب اللوائح المرهقة للتكنولوجيا الفائقة، وكقاعدة عامة تترك للقطاع الخاص هامشًا واسعًا للمناورة، باستثناء الصادرات الدفاعية".
وأشار إلى أن "القليل في إسرائيل نشر عن تسرب التكنولوجيا من الشركات عبر قنوات البحث والتعاون الأكاديمي، أو ببرامج المواهب، ورغم أنه لا يوجد لدى إسرائيل جالية مهاجرة صينية لها الحق بالتصويت والترشح، لكن مجتمع الاستخبارات في إسرائيل يركز على تهديداتها الأمنية، ومعظمها في الشرق الأوسط، بقيادة إيران، فيما تشكل المسافة الجغرافية واللغة والاختلافات الثقافية عن الصين صعوبة في تحديدها تهديدا لإسرائيل".
وأضاف أن "الصين ليست التهديد الأول لإسرائيل، ومن الضروري ألا تصبح تهديدًا أساسياً، ولكن من المهم أيضًا الاستمرار باستغلال فوائدها الاقتصادية المتزايدة، وأثناء القيام بذلك يمكن إدارة المخاطر المسؤولة، بما فيها الدروس المستفادة الصادرة عن الولايات المتحدة، بجانب تحذيراتها من العلاقات مع الصين، مما يتطلب من إسرائيل عدم تجاهلها".
وأكد أنه "في ضوء الاختلافات بينهما، لا ينبغي لإسرائيل أن تستمد علاقتها مع الصين من تجربة الولايات المتحدة، بل أن تصوغ رداً مستقلاً وفقاً لخصائصها الذاتية، فلا تحتاج الصين أن تكون على رأس أولويات المخابرات الإسرائيلية، لكنها بحاجة لزيادة مواردها الاستخباراتية، وتعميق كفاءتها المهنية في تحدياتها الحكومية والأكاديمية".
وختم بالقول "في الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة أن الصين هي تهديدها الأول، فمن المرجح أن تتقلص مساحة إسرائيل للمناورة في علاقاتها مع الصين، رغم أن الحساسية الأمريكية ترتفع تجاههما، ولا يجب على إسرائيل فقط أن تتجنب الإضرار بالمصالح الحيوية لحليفها الاستراتيجي فحسب، بل يجب أن تكرس معظم اهتمامها بحساسية هذا الحليف من علاقتها بالصين".