في قمة الانهيار الأخلاقي لبعض الأنظمة العربية، ومع استبداد شهوة التطبيع ببعض الحكام، قالت الجزائر العربية: لا، لا للتطبيع مع الأعداء الصهاينة، ولا لأي علاقة أو لقاء مع أعداء الأمة التاريخيين، ورفضت الجزائر العربية أن تشارك في فعاليات الجمعية البرلمانية للبحر المتوسط، لأنها نظمت محاضرة برلمانية يشارك فيها وفد جزائري وآخر إسرائيلي.
لقد تعمد القائمون على فعاليات الجمعية البرلمانية تنظيم المحاضرة المشتركة بين النواب الجزائريين والنائب الإسرائيلي ميكي ليفلي، بهدف التقاط الصور، إنها الشراكة في المحاضرة غير البريئة، التي تهدف إلى التسلل خلف خطوط الجزائريين الدفاعية في وجه التطبيع، وذلك بتنظيم محاضرة مشتركة، أدرك الوفد البرلماني الجزائري مقاصدها، فاستنفرت مشاعره الوطنية والقومية والدينية دفاعاتها، وأحجمت عن الوقوع في المصيدة السياسية، فالمحاضرة المشتركة ستكون العنوان الرئيس للإعلام الإسرائيلي، عن بدء التطبيع مع الجزائر، لذلك انسحب النواب الجزائريون بناء على رسالة تلقوها من المجلس الشعبي الوطني الجزائري، دعاهم فيها إلى الانسحاب من المحاضرة.
ونعم الانسحاب يا جزائر، إنه الانسحاب من مواطن الشبهات، ليسجل الوفد البرلماني الجزائري موقفاً مشرفاً لا يمثل الحكومة الجزائرية فقط، ولا يعبر عن رأي المجلس الشعبي الوطني الجزائري فحسب، وإنما هذا الموقف ينبض بالحقيقة التي سكنت أفئدة كل الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، وهو موقف الشعب الجزائري الذي ما انفك عاشقاً لفلسطين، إنه الشعب الجزائري الذي أقام حارة المغاربة في محيط المسجد الأقصى قبل مئات السنين، حين شاركوا صلاح الدين الأيوبي معركة تحرير القدس من الصليبيين، أما حارة المغاربة فقد أزالها العدو الإسرائيلي عن وجه الأرض بعد هزيمة 67، ليقيم على ترابها أكذوبة" حائط المبكى".
إن الشعب الجزائري الحريص على حرية الجزائر، واستقلالها، وسلامة ترابها، ونمو اقتصادها، ليدرك بحسه الوطني أن أيّ علاقة مع الأعداء الإسرائيليين ستجر على دولة الجزائر الويل والخراب والفساد والدمار، والشعب الجزائري ليس غبياً، ولا هو مغفلٌ، كي يبيع وطنه مقابل وعود برغيف خبز مغمس بالمذلة، وللشعب الجزائر في سلوك بعض الدول العربية التي طبعت مع الإسرائيليين عظة وحكمة، فقد دللت الأيام أن كل الحكومات العربية التي وقعت الاتفاقيات مع الإسرائيليين لم تكسب إلا القيود، ولم تعرف إلا السجود للفقر والتخلف، لقد أذلتهم الاتفاقيات، وأهانت طموحاتهم الوطنية، فلا هم شبعوا الخبز، ولا هم واكبوا ركب الحضارة، ولا هم نالوا حريتهم، وعاث الموساد الإسرائيلي في مستقبلهم فساداً وتدميراً.
وقد تعلم شعب الجزائر الدرس من جارته دولة المغرب العربي، التي عقدت صفقة شراء الصحراء الغربية مع أمريكا مقابل التطبيع مع العدو الإسرائيلي، فكانت النتيجة -بعد سقوط ترامب- أن تنكرت أمريكا لصفقة بيع الصحراء الزائفة، في الوقت الذي لم تقدر فيه الحكومة المغربية على التنكر للتطبيع مع الصهاينة.
الشعب الفلسطيني الذي يحفظ للشعب الجزائري هذا الموقف المشرف، يطالب قيادته السياسية أن تسلط الضوء على موقف الوفد الجزائري، الذي استمد قوته من صلابة شعب المليون شهيد، وعلى القيادة الفلسطينية أن تتقدم بالشكر من القيادة الجزائرية حكومةً وشعباً، لأن تثمين موقف الجزائر من التطبيع فيه إدانة لموقف كل أولئك الذين ضحوا بفلسطين من أجل مصالحهم الحزبية والشخصية، وهذا ما تحتقره الشعوب العربية، التي تأبى أن تساوي بين عشاق التطبيع، وعشاق الحرية والكرامة العربية.