صدر البيان الختامي لحوارات الفصائل الفلسطينية بتاريخ 9/2/2020م وجاء في مادته الأولى: "سيتم عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في القاهرة خلال شهر مارس القادم بحضور رئاسة المجلس الوطني ولجنة الانتخابات المركزية، للتوافق على الأسس والآليات التي سيتم من خلالها استكمال تشكيل المجلس الوطني الجديد، بهدف تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز البرنامج الوطني المقاوم انطلاقا من كوننا حركة تحرر وطني".
وعليه فمن المقرر أن تذهب الوفود الفلسطينية في مارس المقبل لمناقشة أكثر الملفات أهمية وسخونة وهو ملف منظمة التحرير الفلسطينية، والبحث في آليات إجراء المرحلة الثانية من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، ومن يسأل عن المرحلة الأولى فهي انتخابات المجلس التشريعي يوم 22/5/2020م، وحسب قانون الانتخابات فإن أعضاء المجلس التشريعي هم تلقائياً يمثلون الداخل الفلسطيني بالمجلس الوطني وعددهم 132 عضواً.
السؤال هنا: ما أبرز التحديات أمام حوارات مارس...؟ وما هي أهم الأفكار لتجاوز هذه التحديات...؟
أولاً: التحديات أمام حوارات مارس المقبل.
هناك من يعتقد أن حوارات مارس سهلة، وفريق آخر يرى أنها بالغة التعقيد، وأن العديد من التحديات تعترض هذا الحوار، وفي هذا المقال سنتناول أهم التحديات، وكذلك الجدل بين النخب السياسية والشعبية حول فرص نجاح حوارات مارس، وعليه فإن أهم التحديات هي:
1. مدى قبول جمهورية مصر العربية لدخول حركة حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث يدور جدل بين النخبة السياسية أن القاهرة لن تقبل بأي تغيير على واقع المنظمة الراهن، وهناك من يرى أن حجم التحولات في الآونة الأخيرة تقرأه القاهرة جيداً وعليه لا فيتو مصري على دخول حماس والجهاد الإسلامي لمؤسسات المنظمة.
من وجهة نظري فإن دولة كبيرة ومركز مثل مصر هي ليست بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل هي منخرطة بتفاصيل التفاصيل للقضية الفلسطينية، وهي التي احتضنت منظمة التحرير الفلسطينية منذ التأسيس، وهي تقرأ حجم التحولات التي حصلت في الآونة الأخيرة لاسيما الوثيقة السياسية لحركة حماس عام 2017م، والتي تؤكد بأن حماس هي حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية، وليس كما كان الحال بميثاقها عام 1988م، وعرّف حينها الميثاق حركة حماس بأنها أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. التحول الثاني هو متعلق بقوة حركة حماس شعبياً وعسكرياً وتنظيماً، وكذلك حجم تأثيرها، فهي من تمتلك قرار السلم والحرب، وهي من فاز بالانتخابات التشريعية عام 2006، وفي أسوأ الأحوال فهي الفصيل الثاني في الحالة الفلسطينية، وعليه في تقديري فإن هذه التحولات وغيرها تحسم الجدل، وتجعل من فرص نجاح حوارات مارس ممكنة، لو توفرت الإرادة وغلب الجميع الصالح الوطني العام على الصالح الحزبي الخاص.
2. مدى قبول حركة فتح والرئيس محمود عباس لسيناريو فقدان الأغلبية المطلقة على القرار السياسي في منظمة التحرير الفلسطينية، وهنا أذكر نقاش بيني وبين عضو مكتب سياسي في حزب الشعب الفلسطيني، وهذه الشخصية هي مثقفة جداً ومنفتحة، وتربطها علاقات وثيقة بقيادة حركة حماس، وكان جوهر النقاش يتمثل بمدى القبول بحركة حماس في منظمة التحرير وأفادني بأن الغالبية ترفض هذا التوجه، حينها قلت إن كان الفيتو من بعض أحزاب اليسار فكيف الحال لدى حركة فتح والرئيس محمود عباس الذي يسيطر على مركز القرار في منظمة التحرير بأغلبية مطلقة، وعليه فإنني أرى أن التحدي الأبرز للوصول للمرحلة الثانية هو تحدي داخلي فلسطيني، وعلى حركة حماس أن تدفع الثمن مقابل إزالة هذا التحدي، وهو التوافق على رئيس توافقي وهو الرئيس محمود عباس، حينها فقط يمكن أن يسمح سيادته للمرحلة الثانية أن تمضي للأمام، وعلى قواعد حركة حماس أن تتفهم ذلك في حال ذهبت قيادتهم لهذا التوجه. لأن دخول حركة حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية فيه من المكاسب الوطنية والحزبية الكثير، فوطنياً يعني إحياء المشروع الوطني من جديد وتعزيز مكانة فلسطينيو الشتات في العملية النضالية، وتعزيز دور الدبلوماسية الرسمية والشعبية في الخارج لصالح القضية الفلسطينية، والتأكيد على وحدانية التمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية وهذا يمنحها قوة وتأثير في المحافل الدولية. وتستفيد حركتي حماس والجهاد الإسلامي حزبياً من زيادة حجم التأثير في القرار السياسي الرسمي، ويساعد في رفع كلا الحركتين من قوائم الإرهاب الدولي، ويعزز من مكانتها السياسية داخلياً وخارجياً.
3. الموقف الإقليمي والدولي من منظمة التحرير الفلسطينية بعد تغير محتمل بتركيبتها، وربما يؤدي لتغيير في ميثاقها المعدل، وفي تقديري أن التعاطي مع هذه المخاوف يتوقف على حكمة الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية، ومدى قدرتهم على تبني خطاب سياسي براغماتي منسجم ولغة القانون الدولي، حينها يمكن إضعاف تأثير هذا التحدي، بل دفعه لدعم إجراء الانتخابات في الدول التي ترفض إجرائها، حتى تصبح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للأوزان الحقيقية لها في كافة أماكن التواجد الفلسطيني.
ثانياً: تجاوز التحديات، الفكرة المقترحة.
لابد من العمل الجاد لتجاوز أي تحدي محتمل يعترض نجاح حوارات القاهرة في مارس المقبل، وفي تقديري أن الفكرة الأمثل هي إرسال تطمينات للعالم أجمع أنه في حال نجح الفلسطينيون في انتخاب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، على أن يساهم المجتمع الدولي في إنجاح هذا العرس الديمقراطي، وأن يقبل نتائجه، ويعمل على رفع الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، في المقابل تتعهد قيادة المنظمة الجديدة بالعمل المشترك والجاد على إعادة بناء جيش التحرير الفلسطيني التابع للمنظمة ويتم دمج كافة الكتائب العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية ومقدراتها ضمن صفوف جيش التحرير، ويقود هذا الجيش مجلس عسكري يعمل على تحرير الأرض الفلسطينية في دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ 1967م، يعمل ضمن إطار استراتيجية وطنية متوافق عليها بين قادة الفصائل والأحزاب، وفي المقابل يتفرغ الجميع لبناء دولة القانون، ونبدأ مرحلة جديدة يجرم القانون من يفتح صفحة الماضي الأليم أو يحاول أم يجرنا إليها.