تحت عنوان: “في مخيم بلاطة.. يجري الاستعداد لمعركة الخلافة في حركة فتح“، قالت صحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية، إنه منذ بداية فصل الخريف يعيش مخيم بلاطة (أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية) على وقع حالة من الغليان بسبب رفع السلطة الفلسطينية من وتيرة الاعتقالات في هذه المنطقة التي تم إنشاؤها للاجئين بعد حرب عام 1948، حيث يتجمع 27 ألف شخص في أقل من كيلومتر مربع واحد. فكل توغل ينذر بتدهور الأوضاع بسبب عمليات تبادل إطلاق النار، وهو ما يتكرر بشكل منتظم، ويرد الشباب بإثارة الشغب في شوارع مدينة نابلس.
وأضافت “لوموند” أنه داخل الحزب الحاكم (حركة فتح) طفى على السطح من جديد صراع خافت بين القيادات مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية في مايو/ أيار ويوليو/ تموز المقبلين، وهي الانتخابات الأولى في فلسطين منذ عام 2006. وتراقب أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الوضع بقلق، إذ تتوقع بدايات صراع عنيف داخل حركة فتح، في ظل عدم توافق الحركة على اختيار خليفة لرئيسها محمود عباس، البالغ من العمر 85 عاماً، والذي ليس له وريث “طبيعي”.
وتتوقف الصحيفة عند الوضع في شوارع مخيم بلاطة، مشيرة إلى أن التوترات في المخيم أدت إلى وفاة الشاب حاتم أبو رزق، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وكان ضحية ‘‘شجار بين عائلات متناحرة’’. وبحسب محافظ نابلس إبراهيم رمضان، فإن الشاب قُتل إثر عبثه بمتفجرات، لكن رفاق الأخير يؤكدون أن عملية اغتياله كانت مدبرة من قبل الشرطة الفلسطينية.
وعلى إثر الحادث، أُضرمت النيران في مقر حركة فتح بالمخيم. وبينما يختبئ القادة المسلحون في مخيم بلاطة، يخشى الصغار من رجال الشرطة، فيلبسون ثيابا مدنية، ويقولون إن هؤلاء المسلحين الذين يسمونهم بالمراقبين يحرضون على العنف، وعندما يطلقون النيران، يطلقونها من أجل القتل، بحسب شهادة محمد أبو جابر البالغ من العمر 25عاما.
محمد دحلان
وبحسب تصريحات محافظ نابلس، فإن الشاب الراحل حاتم أبو رزق حصل على أموال من شخصية مشهورة في حركة فتح هو “محمد دحلان” بهدف إحداث اضطرابات في المخيم. لكنه أوضح أن ذلك لم يكن سبب وفاته. ويسبب هذا الاسم “دحلان” صداعا حادا للسلطة الفلسطينية التي تعاني من “فوبيا دحلان” رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني سابقا في غزة، والبالغ من العمر 59 عاما، والذي فصل من صفوف حركة فتح في شهر يونيو/ حزيران عام 2011، وأحيل إلى القضاء للتحقيق معه في قضايا متعددة.
دحلان يجد تعاطفا متزايدا بين صفوف فتح في نابلس، وبين عناصر السلطة الفلسطينية المحبطين والذين لم يعودوا خائفين من عمليات محاربة الفساد
ومنذ ذلك الحين، أعاد دحلان “اكتشاف نفسه” في الإمارات العربية المتحدة. وقام السيد دحلان الموهوب، بالعمل القذر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، مع غزوات تجارية في البلقان. لكن إعلان التطبيع التاريخي للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر/ أيلول 2020 أضر كثيرا بصورة دحلان في فلسطين. ومع ذلك يؤمن البعض بأن الرجل سيعود يوما إلى فلسطين ليقوم بدور المنقذ.
ويرى محافظ نابلس أنه من المحرج إعطاء محمد دحلان قدرا كبيرا من الأهمية، فهو لا يرغب في المبالغة في تقدير الاضطرابات التي تشهدها مدينته. وتساءل المحافظ: “لماذا نخاف جميعا من دحلان؟ إنه فزاعة. نحن من ضخمنا صورته، إذ أننا نلومه على ما لا يمكننا مواجهته”. في المقابل يتهمه المحافظ بتوزيع الأموال في مخيم بلاطة، لتمويل المشاريع الاجتماعية وشراء الأسلحة، ويتهمه بتأجيج التوترات قبل الانتخابات، من أجل إيجاد مكان لنفسه في المشهد السياسي الفلسطيني.
تهريب المخدرات والأسلحة
وأشارت صحيفة “لوموند” إلى أنها كانت قد التقت في عام 2016 بالشاب حاتم أبو رزق العضو في ميليشيا، والذي قُتل في أكتوبر/ تشرين الأول 2020. كان الرجل بالفعل عنصرا في كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، والتي تأسست خلال الانتفاضة الثانية، ولا سيما في مخيم بلاطة. وبعد حلها رسميا في عام 2007، انضم رجالها إلى قوات الأمن الفلسطينية. لكن البعض ظل عاطلاً عن العمل.
وتوضح ‘‘لوموند’’ أن هؤلاء الشباب لديهم عرّاب هو جمال الطيراوي، وهو عضو في تيار قوي داخل مخيم بلاطة، وعضو سابق في البرلمان الفلسطيني عن حركة فتح، وأحد الوسطاء الرئيسيين لمحمد دحلان في فلسطين. ويقول جمال الطيراوي إنه يشعر بالقلق بشأن إمكانية أن تدفع حركة فتح ثمنا باهظا في هذه الانتخابات بسبب فسادها وبسبب البطالة الهائلة. مضيفا بأنه حتى داخل الحركة هناك الكثير من الناس الساخطين من الوضع الراهن.
دبلوماسي أوروبي: “إذا قرر البرغوثي أن يكون مرشحا، فلن تكون هناك انتخابات، وسيلغيها محمود عباس ببساطة”.
وبحسب المحلل السياسي المقيم في نابلس سامر عنبتاوي، فإن دحلان يجد تعاطفا متزايدا بين صفوف فتح في المدينة، وبين عناصر السلطة الفلسطينية المحبطين والذين لم يعودوا خائفين من عمليات محاربة الفساد. وخلال الانتخابات التشريعية لعام 2006، سمحت انقسامات داخل فتح لحركة حماس بفرض نفسها، مما أشعل فتيل قتال بين الأشقاء، ثم سيطرة الحركة الإسلامية على قطاع غزة. من هنا يسعى الطيراوي بأن يلعب دور الرجل الإصلاحي، علما أن حركة فتح تفتقر إلى برنامج واضح وحصيلتها فقيرة. ويرى الطيراوي أن محمد دحلان لن يترشح لمنصب الرئيس فهو يعرف أن فرصه ضئيلة.
مروان البرغوثي
ويفضل الرجل المنفي (دحلان) دعم ترشيح مروان البرغوثي، كمنافس وحيد محتمل لعباس داخل حركة فتح. والبرغوثي أسير في سجون إسرائيل منذ عام 2002 ويحظى بشعبية كبيرة. وتقول الصحيفة الفرنسية إن هذا “سيناريو مرعب بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية”. ويرى دبلوماسي أوروبي أنه “إذا قرر البرغوثي أن يكون مرشحا، فلن تكون هناك انتخابات، وسيلغيها محمود عباس ببساطة”.
وفي انتظار تسوية هذه الترتيبات، يصف محافظ نابلس، “عرابَ” مخيم بلاطة جمال الطيراوي بـ”صديق العشرين عاما”، ولكنه يؤكد أنه لن يتردد في اعتقاله إذا انتقد الرئيس عباس. أما بالنسبة إلى شباب مخيم بلاطة، فقد سجلوا بشكل جماعي في القوائم الانتخابية، ما يقرب من 90 في المئة، وعلى غرار كل الفلسطينيين يريدون التصويت، لكن ما الذي يأملون فيه تتساءل ‘‘لوموند’’.
وتنقل الصحيفة عن الشاب محمد أبو جابر، قوله: “ستكون هناك انتخابات وربما بعدها مصالحة بين عباس ودحلان.. والخاسرون في الأخير هم نحن.. سنبقى عاطلين عن العمل”.