"بلادي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام"، كانت تلك آخر كلمات الرئيس الراحل محمد مرسي المقتبسة، قبل وفاته داخل قفص زجاجي بقاعة محكمة جنايات القاهرة، الذي كان شاهدا على آخر لحظات حياة أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا في 17 حزيران/ يونيو 2019.
وتحل اليوم الخميس، الذكرى الثانية لوفاة مرسي، التي تكتنفها شبهة جنائية، واتهامات من أسرته ومن جماعة الإخوان المسلمين للنظام العسكري الحاكم بالتسبب في مقتله بالإهمال الصحي.
ولطالما اشتكى مرسي أمام قضاة محاكماته من إهمال صحي له، ومحاولة لقتله في محبسه، فيما أعلنت أسرته أكثر من مرة منذ اعتقاله إثر انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، عن تعرضه للحبس الانفرادي وتراجع حالته الصحية ومعاملته السيئة.
وفي آذار/ مارس 2017، أعلنت لجنة برلمانية بريطانية مستقلة، أن مرسي محتجز في ظروف "لا تلبي المعايير المصرية والدولية"، وحذرت من أنها "قد تُعجل بوفاته".
ورغم مرور عامين كاملين، إلا أن ملف البحث والتحقيق في أسباب وملابسات وفاته لم يخرج إلى النور، رغم الإعلان عن دعوى أقامتها أسرة مرسي في المملكة المتحدة، عبر المحامي الدولي البريطاني كارل بكالي، ورغم ما أعلنته جهات حقوقية عديدة عن تبنيها الملف.
وفي أيلول/ سبتمبر 2019، طالبت أسرة الرئيس الراحل، عبر مؤتمر في نادي الصحافة بمدينة جنيف السويسرية بفتح تحقيق في ملابسات وفاة الرئيس مرسي، وخاصة مع وجود شواهد تثبت قتله، بعد تهديده أكثر من مرّة، وما تعرّض له في محبسه بعد الانقلاب العسكري.
وأغلقت السلطات المصرية الملف، وقالت إن وفاة مرسي طبيعية، إثر تعرضه لنوبة قلبية أثناء جلسة محاكمته بإحدى القضايا الستة التي اتهمه بها النظام العسكري الحاكم.
"تواطؤ دولي"
وحول مصير ملف وفاة مرسي، والدعاوى القضائية التي تم الإعلان عن رفعها في الخارج، أعرب مسؤول لجنة العلاقات الخارجية لحزب "الحرية والعدالة" المصري محمد سودان، عن أسفه الشديد لأن ما تم حتى الآن غير كاف.
وفي حديثه، نقل سودان عن منظمة (عدالة وحقوق دون حدود) قولها إن "التواطؤ الدولي حال دون محاكمة قتلة الرئيس الشرعي لمصر؛ حيث إن المنظمة رفعت دعوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية العليا لطلب تشريح جثمان الرئيس مرسي".
وأضاف أن المنظمة دعت في دعواها "لكشف أسباب وملابسات الوفاة؛ ولكن للأسف الشديد بدا تواطؤ واضح من المحكمة في عدم إصدار قرار كهذا".
وأكد أنه "بالطبع هذا قرار سياسي مدعوم بتحالف دولي؛ ولكن المنظمة مصرة على ألا تتوقف عن المطالبة بكشف حقائق وملابسات اغتيال الرئيس مرسي".
ويعتقد السياسي المصري، أن "المؤامرة بدأت في نهاية 2010، لاستيلاء المجلس العسكري على السلطة من حسني مبارك، وعائلته، لتنفيذ مخطط معين بمصر أحد بنود هذه الأجندة تنفيذ صفقة القرن، وكان أعلن مرسي من اللحظة الأولى رفضه لمثل هذا المخطط".
وجزم بأنه "كان لا بد من إزالة مرسي من الحكم بالنسبة لأطراف دولية، وعندها انقلب السيسي على رئيسه بدعم محلي وإقليمي ودولي، لكن وجود الرئيس الشرعي للبلاد على قيد الحياة ولو كان حبيسا كان دائما يؤرق السيسي وزمرته".
"تعتيم النظام"
وقال الحقوقي المصري خلف بيومي، إن "ملف قتل الدكتور محمد مرسي، من أهم الملفات التي يسعى النظام للتعتيم عليها، بعدم اتخاذ خطوات فعالة نحو التحقيق في أسباب الوفاة، والوقوف على الضالعين فيها، ومحاكمتهم".
وأضاف مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان": "لعل هذا النهج ليس بجديد على النظام الذي تجاهل 9 نداءات واستغاثات من الدكتور محمد مرسي بشأن حياته"، مؤكدا أنه "لن يتوقف النظام عن ذلك، لأن فتح الملف معناه محاكمة رموز النظام الحالي".
ولفت إلى أن "المنظمات الحقوقية وثقت الانتهاكات التى تمت بحق الدكتور مرسي، وقدمتها في تقارير لكافة الجهات المعنية للضغط من أجل أن تظل القضية حية ولا تموت".
وأوضح أن "الدعاوى التي رفعت تمت بناء على تواصل من أسرة الدكتور محمد مرسي، ومكتب قانوني بإنجلترا؛ حتى لا يسقط الحق بالتقادم ولا يفلت مرتكب الجريمة من العقاب".
"تراخ عجيب"
وأعرب القيادي بجماعة الإخوان والحقوقي المصري الدكتور أشرف عبدالغفار، في حديثه، عن أسفه الشديد لعدم وجود "جدية في أي عمل ضد الانقلاب، ما يثير علامات الاستفهام".
وأشار إلى أن "هناك من تكفلوا في لندن، لأسرة الدكتور مرسي، بالقيام برفع قضية بالمحاكم الأوروبية والمحاكم الدولية؛ لكن شيئا كالعادة لم يحدث، وقضايا كثيرة كانت كفيلة بزعزعة حكم السيسي، منها: مذابح رابعة، والنهضة، ورمسيس، وسيارة الترحيلات".
وجزم بأن "الحال ذاته ينطبق على وفاة رئيس جمهورية منتخب يتم الانقلاب عليه، ويموت أمام هيئة المحكمة، وتتأخر سيارة الإسعاف حتى يفارق الحياة، حتى إن ممثلة الأمم المتحدة أنييس كالامار، أصدرت بيانا بأنه قُتل والوفاة ليست طبيعية، وكل هذه جرائم كانت تنتظر من يُمسك بطرف الخيط ويسعى لمحاكمة المسؤولين عنها".
وقال عبد الغفار: "ليس خفيا أن أحد المحامين الدوليين أبلغني أنه حاول أن يساعد هذه الجهات في إدانة السيسي، ولكنه فوجئ بتراخ عجيب، وقال إن قبول قضية من هذه القضايا كان كفيلا بأن يهز مكانة السيسي دوليا؛ لأنه سيصبح متهما حتى لو لم تصدر ضده أحكام".
وختم حديثه بالقول: "لكن يظل السؤال بلا جواب، من المستفيد من هذا الصمت العجيب للمعارضة المصرية وهي في الخارج وليست مهددة من نظام السيسي، وعندها الأموال والإمكانيات؟ وللأسف لا توجد قضية واحدة تنظر الآن بالمحاكم الدولية والأوروبية ضد نظام السيسي".
"عدالة انتقائية"
من جهتها، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "وفاة الرئيس الراحل ستظل وصمة بتاريخ مصر وواقعها؛ عندما لا تلقى وفاة أول رئيس منتخب بعد ثورة شعبية بظروف تتزامن مع انتهاكات حقوقية بالجملة وتهديدات بل واستغاثات أطلقها قبل وفاته من محبسه عبر أسرته ومحاميه وبنفسه في المحكمة أمام القضاة".
وانتقدت مديرة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، في حديث صحفي، "عدم حصول أي اهتمام أو خطوات حقيقية للوفاة المفاجئة التي تحدثت المنظمات والجهات الحقوقية والقانونية حول ما يكتنفها من غموض وضرورة فتح تحقيق شفاف بملابساتها".
وأعربت عن استغرابها من عدم "ضغط أي جهة على الحكومة المصرية لفتح تحقيق برغم كم التصريحات والنداءات منذ عامين"، معتبرة أن "ذلك للأسف يعبر عن عدالة انتقائية يطبقها العالم مدعي الإنصاف ورعاية الحريات".
وقالت هبة حسن: "حسب علمي لم تتحرك حتى الآن الدعوى التي أعلن فريق دفاع أسرة مرسي، عن رغبته في رفعها، وذلك راجع بحسب تصريحات سابقة لهم لعدم وجود آلية أو جهة تضغط على النظام المصري للتعاون وفتح التحقيق، بالإضافة إلى ما تتعرض له الأسرة من ضغوط".
واعتقلت قوات الانقلاب المحامي أسامة مرسي نجل الرئيس الراحل منذ عام ٢٠١٦، وتوفي الابن الأصغر عبدالله بشكل مفاجئ وفي ظروف غامضة يتشكك البعض أيضا بملابساتها في 4 أيلول/ سبتمبر 2019.
وتعتقد الحقوقية المصرية، أن "هذه الدعوى لن يُكتب لها الخروج للنور إن لم توجد إرادة دولية لإجبار النظام على فتح التحقيق، وهو ما يحتاج جهودا حقوقية وسياسية وعلاقات دولية لتحقيق القناعة بأن تجاهل الوضع المصري الداخلي الكارثي سيمتد ضرره للتأثير على استقرار المنطقة".