اهتمت وسائل إعلام عبرية بما تضمنته عشرات الوثائق الجديدة التي كشف عنها أرشيف الاحتلال، والتي تخص حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وتتضمن مزاعم بشأن تحذير من عميل في الجيش المصري، أنقذ "إسرائيل" من هزيمة شنيعة.
وأوضحت "هآرتس" في تقرير أعده عوفر أديرت، أن الأرشيف نشر 61 وثيقة تاريخية بمناسبة مرور الذكرى السنوية الـ48 لحرب أكتوبر، تشمل 1229 صفحة توفر ثغرة للاطلاع على ما وراء كواليس الحرب، وتكشف عن تسجيلات من يوميات الحرب لرئيسة الحكومة في حينه، غولدا مائير، ومحاضر جلسات في مكتبها وأخرى للحكومة ومشاورات سياسية-أمنية.
وذكر الباحث في "مركز حرب يوم الغفران" أوري بيالكوف، للصحيفة، أن "الوثائق تمكننا من رؤية الحرب بعيون رئيسة الحكومة وكبار قادة إسرائيل، وتوفر ثغرة تاريخية مهمة للاطلاع على الأحداث مثلما حدثت في الوقت الحقيقي وليس الاطلاع على المعالجات المتأخرة لها من قبل المؤرخين".
السفر إلى لندن
تشير الوثائق إلى أن صافرة إنذار اندلاع الحرب سمعت في الثانية ظهرا يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر خلال جلسة حكومية، وبعد 5 دقائق قالت غولدا مائير: "فاجأونا"، لكن المفاجأة بحسب الصحيفة "لم تكن كاملة، إذ إن وثيقة جديدة تضمنت تقريرا من رئيس الموساد تسفي زمير لرئيسة الحكومة، عن لقائه في لندن مع العميل أشرف مروان، تظهر أنه قدم له تحذيرا قبل 14 ساعة من بداية الحرب".
وقال زمير: "انتظرنا نبأ حول الحرب، وتلقيت إشارة على اندلاعها" في اللقاء الأول مع العميل "مروان"، وفي أعقاب ذلك، سافر بسرعة إلى لندن من أجل الالتقاء معه، واتصل به ايلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية، وقال له رئيس "الموساد": "أعتقد أن هذه حرب".
في اليوم الخامس من ذات الشهر وصل زمير لندن، والتقى مع مروان؛ وجاء في الوثيقة: "وصلت الساعة الثانية عشرة ليلا، جلسنا حتى الساعة الثانية فجرا، قال لي؛ الحرب ستكون بعد الظهر أو في المساء، وزودني بتفاصيل، وأنا قررت إجراء اتصال هاتفي".
وخلال الحرب، بحسب الصحيفة؛ "زود مروان زمير بالتطورات المختلفة، وفي جلسات الحكومة تمت تسميته صديق تسفيكا، وقدر مروان أن مصر ستطلق صواريخ سكود نحو إسرائيل فقط إذا هاجمت تل أبيب المدنيين في مصر، وأفاد مروان أن هناك حالتين فقط يمكن من خلالهما إنهاء الحرب؛ إبادة الجيش أو على الأقل، السادات ينتهي"، وعندها سخرت رئيسة الحكومة من ذلك وقالت: "أوافق أنه لن يحدث أي منهما".
جاسوس آخر
وتظهر الوثائق، أن "الموساد" قد تلقى إنذارا آخر تم العثور عليه في 12 تشرين الأول/أكتوبر، في الوقت الذي اجتمع فيه الكابينت الأمني لمناقشة خطة عبور القناة، وفي منتصف النقاشات تم استدعاء رئيس "الموساد" زمير بصورة مستعجلة للهاتف، وأخبره رئيس مكتبه عن نبأ تم التقاطه في اللاسلكي، ولم يكن هذا مروان، بل "العميل المصري العسكري"،
والنبأ الذي نقله الضابط المصري، تناول نية مصر استخدام ألوية المظليين وقوات المدرعات من أجل السيطرة على مناطق مهمة في عمق شبه جزيرة سيناء، وبعد تلقي النبأ، تقرر الاستعداد لصد المصريين قبل اجتياز القناة.
وفي أعقاب التقرير، قال رئيس الأركان في حينه، دافيد اليعيزر: "أنا الآن أعرف ما الذي يجب فعله، سنستعد بشكل جيد ونصد هجوم المصريين ونقوم بضربهم بقوة، وبعد ذلك سنعبر القناة"، ورأى نائبه أن "هذه ستكون ضربة دراماتيكية مثيرة لا مثيل لها"، ولخصت غولدا الموضوع بقولها: "أعرف أن تسفيكا أنهى نقاشنا".
ونبه الباحث بيالكوف، أنه "بفضل التحذير، استعد الجيش الإسرائيلي مسبقا للهجوم، وضربنا القوات المصرية في معركة من معارك الدبابات الكبيرة في حروب إسرائيل، وانقلبت صورة المعركة في الجبهة الجنوبية رأسا على عقب"، وبعد هذه الأحداث قال زمير: "بنقل الضابط المصري لنا هذا النبأ، أنقذ إسرائيل من هزيمة مهينة في تاريخها".
أقنعة الغاز
وتكشف الوثائق، "رعب إسرائيل من استخدام صواريخ سكود وأسلحة كيميائية من قبل مصر ضد أهداف مختلفة، وذكر وزير الحرب في حينه، موشيه ديان، وهو في حالة ضغط: علينا أن نتذكر تحذير السادات، أنه إذا تمت مهاجمة المدنيين، سيهاجم بصواريخ سكود".
وقال ديان في إحدى الجلسات: "يوجد لدى المصريين 400 صاروخ سكود، والسادات قلق جدا على مستقبله"، مستبعدا أن "يضرب الجيش الإسرائيلي أهدافا استراتيجية مصرية" خشية من رد الفعل.
ونبه الباحث بيالكوف في حديثه لـ"هآرتس"، أن "الخوف الإسرائيلي برز في الوثائق من تدخل السوفييت، كنا قريبين من حرب عالمية ثالثة، حيث رفع الروس الجاهزية عندما رأوا حلفاءهم يخسرون في مصر وسوريا".
وعن طبيعة الرد الإسرائيلي في حال تدخل السوفييت، تساءلت رئيسة الحكومة: "أريد أن أعرف، ما الذي يجعل كيسنجر ينذعر؟ بماذا هددوه؟"، فرد الوزير يغئال الون: "يحتمل أن تكون في الإرسالية قوة سوفييتية لمصر".
ويتضح من الوثائق، أن تل أبيب كانت تدرس إمكانية استخدام الغاز، وتساءلت مائير: "هل توجد أقنعة للجميع ضد الغاز؟"، وبين السكرتير العسكري، إسرائيل ليئور، أن "عددا من الوحدات قد تم تزويدها بالأقنعة، ولكن السؤال؛ هل يوجد لكل شاب قناع؟".
تل أبيب من جانبها بحسب الوثائق، ناقشت استخدام صاروخ "عبري" الإسرائيلي، الذي تم إنتاجه قبل الحرب، ورئيس الأركان، اليعيزر، اقترح قصف دمشق به وقال: "توجد لدينا صواريخ "أرض- أرض"، عددها 25 صاروخا، من خلالها نصل لعمق دمشق إذا أردنا ذلك"، مقترحا "قصف مطار قرب دمشق بهذه الصواريخ، كي تسمع الانفجارات في دمشق وتهتز النوافذ".
غولدا سألت: "هل هذه الصواريخ دقيقة؟"، أجاب: "نعم، لكن يجب الأخذ في الحسبان بأن منازل قرب المطار يمكن أن تتضرر..، في المقام الأول، القصف ليس داخل دمشق بل في المطار"، أما موشيه ديان، فعارض ذلك ولم يتم تنفيذ إطلاق الصواريخ.
أموال روتشيلد
إحدى تلك الوثائق، توثق "الجهود الكبيرة لوزير المالية، بنحاس سبير، لتجنيد أموال يهود أثرياء في العالم لصالح المجهود الحربي، وقام سبير بجولة تجنيد فورية عند اندلاع الحرب، وضمن أمور أخرى، حصل على منحة من عائلة روتشيلد".
وقال الوزير: "اتصلنا مع السيدة دورتي روتشيلد (متبرعة بريطانية يهودية وزوجة جيمس روتشيلد)، وحصلت على تبرع بمليوني جنيه استرليني، لكن هذا يجب أن يبقى سرا".
وعندما طلبت السيدة روتشيلد معرفة ما يجري، وأوصلتها برئيس الوزراء، قال: "المحادثة معها (غولدا مئير) منحتي الحياة"، بعدها ابتسمت، وفي نفس اليوم أرسلت اثنين من أقاربها لإبلاغنا بأنها ستتبرع بمليوني جنيه، وبالطبع نحن قمنا باستغلال ذلك".
ووصف سبير جهوده في تجنيد التبرعات من يهود آخرين، من بينهم رجل أعمال ومتبرع اسمه تشارلز كلور، الذي قال عنه: "لقد أغلقت عليه الغرفة وقمت بهزه، هو يهودي غالي، ومن أجل تجنيد الأموال، استخدمت إسرائيل أيضا ذكرى الكارثة، وقلت لهم عشرات المرات، لو أنكم فعلتم في 1939 ما تقومون بفعله الآن، عندما صرخ وايزمن "شعب إسرائيل"، ربما لكان مليون يهودي أقل ذهبوا إلى أوشفيتس".
معارك الجنرالات
ومن بين الأمور التي حفظت في تلك الوثائق، "حروب الجنرالات ومعارك الأنا في قيادة إسرائيل والجيش"، وضمن أمور أخرى، قال وزير الحرب ديان عن أريك شارون: "يوجد له فم، لكنه قائد ممتاز، الآن لا يجب فعل أي شيء حتى لو كان سوبر نابليون، بعد ذلك سنرى، نحن سنضطر إلى التعايش مع فمه والمصريون سيضطرون للتعايش مع يده".
كما أبلغ رئيس الأركان رئيسة الوزراء: "غورودوش (قائد المنطقة الجنوبية) قال إن أريك يفعل ما يحلو له، هو غير واثق مما يفعله"، فردت: "لا توجد لديه الشجاعة لقول رأيه بأريك".
أسرار
ذكرت المسؤولة عن أرشيف الدولة، روتي أبراموفيتش، في بيان لها، أن "الصفحات الكثيرة التي يتم فتحها الآن أمام الجمهور، هي المادة الوثائقية الخام الأصلية التي كتبت أثناء حدوث الأحداث الدراماتيكية لأحد الأحداث التاريخية التي ما زالت تعتبر جرحا نازفا في تاريخ إسرائيل".
وأضافت: "للمرة الأولى منذ 48 سنة، يمكن متابعة الديناميكية التي حدثت في الحكومة فيما يتعلق بحرب أكتوبر، ورؤية الذعر والعقبات والنقاشات والعلاقات المعقدة التي كانت سائدة بين الرؤساء، هؤلاء الذين قادوا الحرب القاسية وأولئك الذين قادوا السياسة".
ونبهت الصحيفة إلى أن الكشف عن الوثائق تم بفضل التماس للمحكمة العليا تم تقديمه العام الماضي، وطالب بأن تعرض على الجمهور جميع مواد الأرشيف المتعلقة بالحرب، وهذا الالتماس قدمه المحامي بنيامين بيرتس والجنرال احتياط أوري أور و"مركز حرب يوم الغفران" ورئيس المركز رامي تسفات والبروفيسور أوري بار يوسف.
ولفتت إلى أنه "بين المادة الكثيرة التي سمح الآن بنشرها، ما زالت هناك فقرات كاملة حظرتها الرقابة، ويمكن الفهم، أن الرقابة قامت بمحو أجزاء تطرقت للعلاقة الحساسة بين إسرائيل والأردن حول مسألة انضمام الأردن للحرب، كما يمكن الافتراض أنه تم حظر مقاطع تطرق فيها رئيس "الموساد" للعلاقة السرية التي أقامتها إسرائيل مع الأردن في تلك الفترة".
وأشارت "هآرتس" إلى أن الرقابة على الوثائق قامت بشطب كلمتين من إحدى الجمل وأبقتها في جملة ملاصقة، وجاء في الوثيقة: "وزير الحرب بيغن طلب منا التوجه (... بعد هذه الكلمة تأتي كلمات تم شطبها) وأستراليا ونطلب طائرات من نوع ميراج، ربما سيوافقون على إعارتها لنا"، بعد ذلك يتبين ما هي الكلمات التي شطبت من قبل الرقابة، عندما ردت رئيسة الحكومة: "أستراليا لن تعطي، جنوب أفريقيا ربما".