تشاهد على المعبر نساء تبكي وتلطم وتناشد أن يتم ادخالها للحاق بزوجها أو لكي تتمكن من علاج ابنائها أو لحضور فرح ابنتها الوحيدة ولا إجابة سوى الرفض فالجانب المصري لا يقبل سوى عدد محدود وفي بعض الأيام التي يتم فيها ترميمات للمعبر يتقلص هذا العدد المحدود إلى أكثر من النصف ليترك طلاباً ومرضى وأصحاب إقامات وأعمال يرجون الله عز وجل أن يسهل لهم دخول معبر رفح حتى لو دفعوا أكثر من مالهم ووقتهم وجهدهم وفي بعض الأحيان يدفعون كثيرا من كرامتهم. بمجرد محاولتك السفر من معبر رفح تشعر بأنك تستجدي شيئا ليس متن حقك فالشخط والنهر سيد الموقف، على الجانب الفلسطيني النهر مستمر والحديث المستمر عن المرجعين من الجانب المصري يجعلك تشك في أنك ربما تكون زعيم عصابة إرهابية عالمية وأنت لا تدري، وعندما تصل الجانب المصري تسمع فقط أسئلة ولا تسمع إجابات فبعد وقت ليس بالقليل من الانتظار ربما تدخل وربما يتم إرجاعك، ما يحكم الموضوع هو العدد، وكأننا أصبحنا مجرد أرقام وأرقام فقط، فعلى معبر رفح لا معني للحالات الطارئة إلا إن كانت في أنفاسها الأخيرة ولا معنى لشهادتك العلمية أو للحدث الذي أنت ذاهب إليه أو لسبب خروجك من غزة، الذي يهم فقط هو العدد فالكل مرتبط بعدد لا يمكنه تجاوزه. بعض المسافرين ونظرا لمحدودية العدد تم إعادته من على معبر رفح يومين متتاليين ليتمكن من الدخول في اليوم الثالث بعد عناء طويل ، هناك لا أحد يهتم، ففي كل الدنيا من يرغب في السفر ليس عليه سوى التودجه إلى المطار أو إلى المعبر الحدودي ليتنقل كيف يشاء ويستمتع بسفره أما عند الحديث عن غزة فعليك مسح كلمة متعة من جانب كلمة سفر واستبدالها بكلمة عذاب وعليك أن توطن نفسك على مشقة وأن تطلب من أولادك وزوجتك الغفران إن قررت اصطحابهم معك. لا أدري لماذا نحجب عن مصر ولماذا تحجب عنا ونحن الذين نعشقها ونهواها ونعرف فرقها الرياضية وأغلب أهلنا درس في جامعاتها ومدارسها وكثير من أبطالها استشهدوا على ثرى غزة وفلسطين، هي امتدادنا وعمقنا نحب كل شيء فيها ولكنها تعاملنا كعدد، نحن نعلم أنها في مخاض عسير وندعو الله لها أن تعود قوية كما كانت دوماً ولكننا نامل منها أن تكون رفيقة بنا أو تكون كما عودتنا الحض الأكبر والأدفأ، أن تكون مصر.