قبل سنوات كنت قد كتبت مقالًا عن مصير الجندي جلعاد شاليط الذي كان أسيرًا في غزة، وإمكانية أن يلقى مصير الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي اختطف ثم اختفى في لبنان عام 1986، وخاصة أنه في ذلك الوقت أعلنت كتائب القسـام إغلاق ملف الجندي، نتيجة المماطلة والتسويف التي اتبعها الاحتلال في عملية التفاوض، إلى جانب شن حملات عسكرية أمنية في محاولة للوصول للجندي شاليط في غزة.
كثيرٌ من المعلومات التي ينشرها الاحتلال هذه الفترة على ملف الجنود تهدف إلى إرضاء المجتمع الصهيوني، وإظهار حكومة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا أنها تتابع هذا الملف وتتفاوض حوله، إلى جانب الضغط على الأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم نفسيًا.
الاحتلال الإسرائيلي يمارس التضليل ممارسة واضحة وجلية، وبحكم التجربة في التفاوض في صفقة وفاء الأحرار قبل 10 سنوات، فقد اتبع الاحتلال نفس الأساليب، مع فارق أن الثمن المطلوب دفعه هذه المرة عالٍ جدًا، يصعب على أي حكومة غير مستقرة كما هو الحال في حكومة نفتالي بينت، عوضًا من توصيات اللجان السابقة التي شكلت لدى الاحتلال التي تعرف أن الثمن الذي سيدفع سيكون كبير وتأثيره المستقبلي واسع.
لكن بكل الأحوال ومهما طالت الأوقات، فإن الاحتلال لن يستطيع الصمود كثيرًا في هذا الملف لاعتبارات لها علاقة بمعرفة مصير الجنديين جولدن وهادار، إضافة لوضع الجنديين الآخرين اللذين لا يعرف عنهما تفاصيل، وهذا يستحضر الكابوس الذي يعيشه الاحتلال منذ عام 1986، عندما مارس أساليب الخداع والتضليل والتسويف في التفاوض حول الجندي الطيار رون أراد الذي كان يشن غارة عدوانية على لبنان حينه، وأسرته من حركة أمل اللبنانية، ثم اختفت آثاره حتى اليوم، وقام الاحتلال بالعديد من العمليات الأمنية والعسكرية للوصول إليه، لكنه فشل فشلًا ذريعًا على مدار 35 عامًا.
ما يخشى أن يصبح مصير الجنود أو بعضهم مشابهًا في غزة، في ظروف معينة، مع مرور الوقت، وحالة الإهمال والتملص التي يقوم بها الاحتلال ممثلًا بقيادته السياسية الخائفة المرتجفة، خشية دفع الثمن، والتي تتحمل المسؤولية مرتين: الأولى سياسيًا، وثانيًا شخصيًا باعتبار أن قادة الحكومة هم من فشلوا في حربهم على غزة عام 2014، وأُسِر الجنود خلال توليهم المسؤولية العسكرية خاصة وزير الجيش جينتيس.
استمرار اختطاف الجنود والخشية من أن يلقوا مصير رون أراد، يمثل كابوسًا لقادة الجيش الذي يتعرض خلال العامين الأخيرين لحملات متتالية من الاتهامات بالتقصير، وعدم القدرة على استعادة الجنود وحمايتهم، كما حدث عند قتل القناص على حدود غزة قبل أسابيع.
مهما ماطل الاحتلال أو أطال التسويف، فإنه يدرك أنه سيدفع الثمن كما حدث في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وأن صفقة جديدة، هي السبيل الوحيد لإطلاق سراح جنوده أو معرفة مصيرهم، ووضعهم الصحي، وغير ذلك يبقيهم في دائرة المجهول والخطر وإمكانية تكرار تجربة الطيار أراد، بل أسوأ من ذلك في ظروف معينة.