8.9°القدس
8.66°رام الله
7.75°الخليل
15.18°غزة
8.9° القدس
رام الله8.66°
الخليل7.75°
غزة15.18°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65
شرحبيل الغريب

شرحبيل الغريب

مبادرة هنية.. هل تجد طريقاً للتفعيل الحقيقي؟

مبادرة جديدة أطلقها السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تعيد حديث الحوار الفلسطيني إلى الواجهة من جديد، أكد فيها أن إلغاء الانتخابات الفلسطينية شكل مأزقاً وطنياً حقيقياً، ووصف هنية الظروف تمر بها القضية الفلسطينية بالتعقيدات التي تحتم إيجاد رؤية فلسطينية شاملة من خلال الوصول لبرنامج سياسي متفق عليه وطنياً، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.

 

ملخص المبادرة التي أطقها هنية خلال مشاركته في ندوة سياسية الكترونية تؤكد على أهمية إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، وإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية والاتفاق على برنامج سياسي واستراتيجية تحرير وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيا ودولياً، انطلاقاً من كون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني فقد عزز هنية مبادرته بالتساؤل عن معنى قيادة فلسطينية لا توجد فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية بالمعني الحقيقي والفاعل ولا حتى الأذرع العسكرية المقاومة في قطاع غزة، وأمام هذه التساؤلات التي قدمها هنية في مبادرته، فالسؤال هنا هل يمكن تعمل هذه المبادرة على تحريك المياه الراكدة فلسطينياً؟

 

مبادرة هنية من حيث الجوهر والمضمون والمرتكزات التي انطلق من خلالها لم تحمل مواقفاً جديدة، وإنما جاءت لتأكيد المؤكد تجاه المواقف الثابتة لدى حركة حماس حول كل القضايا الوطنية التي تطرق إليها في بنودها الخمسة، لكن هذه المرتكزات وعلى مدار السنوات الماضية وكافة المحطات التي مر بها الشعب الفلسطيني لم تجد لها طريقاً للتفعيل الحقيقي.

 

مبادرة هنية تأتي استشعاراً بخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية وأمام انسداد الأفق السياسي واستمرار حالة الانقسام الفلسطيني وفشل مسار الانتخابات مؤخراً، وتصاعد وتيرة الاستيطان، على أمل أن تحرك المياه الراكدة تجاه القضايا الداخلية الفلسطينية وأمام حالة الترحيب الفصائلي الكبيرة نستطيع القول أن مبادرة كهذه من الخطأ السياسي تجاهلها، ويمكن البناء عليها وتصلح لأن تكون أرضية لإصلاح وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.

 

إن مفتاح نجاح هذه المبادرة يتمثل في قضايا ثلاثة مهمة أولها الايمان بنهج الشراكة في العمل الوطني والتخلي عن نهج الاقصاء والتفرد، ثم بتوفر الارادة الحقيقة والعملية للدخول في مسار ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ثم تطبيق دقيق وأمين لكل الاتفاقيات الوطنية التي وقعت خلال المرحلة الماضية، فالوضع الفلسطيني لم يعد يحتمل مزيداً من الحوارات، وهذه المفاتيح الثلاثة يمكن أن تشكل منطلقاً حقيقياً لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي وستكون قادرة على إخراج الشعب الفلسطيني من عنق الزجاجة.

 

أسئلة كثيرة تطرح نفسها أمام هذه المبادرة أولها، هل يمكن أن تتجاوب حركة فتح مع مبادرة هنية على ضوء الكثير من التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية؟ وهل يمكن أن تتسع مظلة منظمة التحرير أكثر لتضم الكل الفلسطيني مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وباقي الفصائل؟ وهل يمكن فعلاً الاتفاق على مشروع وطني فلسطيني وقيادة فلسطينية جديدة؟ وما هو نوع المقاومة التي يمكن أن يتبناها الفلسطينيين خلال هذه المرحلة؟

 

القاعدة التي سأنطلق من خلالها هو أنه لا يختلف فلسطينيان مطلقاً على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ، فالحالة الفلسطينية تواجه حالة انعدام لأي أفق سياسي ، انقسام وحصار غزة مستمران ، والاستيطان يتبلع الأرض الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي يواصل نهجه في تكريس عقلية السيطرة على الأرض والمقدسات ، السلطة الفلسطينية كذلك تمر في أسوأ حالاتها ليس على الصعيد الداخلي الفلسطيني فحسب ، أيضاً على الصعيد الخارجي هناك انغلاق تام لأي مسار سياسي تراهن عليه ، والإدارة الأمريكية أدارت ظهرها ولم تبدي أي إشارات تحمل في طياتها نية لإحياء مسار مفاوضات بالأساس ومنشغلة في ملفات ذات أولوية لها كالملف النووي الإيراني وملف الصين وروسيا وغيرها من الملفات ، في المقابل الاحتلال يواصل مخططاته التي تلتهم الأرض والمقدسات وتكرس مزيداً من النهج الاستيطاني.

 

أمام هذه الحالة حركة فتح أصبحت تعيش في مأزقٍ حقيقيٍ، وخطاب الرئيس الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة لن يقدم أو يؤخر لها في المشهد شيئاً، وبالتالي المخرج الوحيد لها يتطلب خطوة للأمام تجاه البحث في كيفية البدء في خطوات عملية لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة أن الوحدة الوطنية ليست مخرجاً لحركة فتح وحدها بل لحركة حماس أيضاً ولكل الفصائل على الساحة الفلسطينية.

 

سؤال آخر يطرح نفسه هنا، هل من الممكن تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل الظروف الحالية أم لا؟ من حيث الواقع والضرورة أرى بالفعل هناك ضرورة لأن تذهب حركة فتح وكل الفصائل لهذا المسار وليس أمامهم سواه ، فليس من المنطق أن ترهن حركة فتح تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بمسار مفاوضات لم يعد له أي أفق، وتعلق آمال الشعب الفلسطيني على أوهام جديدة على أمل أن تكشف الإدارة الأمريكية عن نواياها تجاه الملف الفلسطيني ، وربما لا يتحقق ذلك مطلقاً ، مع التذكير بأن السقف الأمريكي لن يتعدى سوى إدارة عملية الصراع وليس إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمام حكومة إسرائيلية متجانسة هشة غير قادرة على اتخاذ أي قرارات سياسة مصيرية سوى الاستمرار في الاستيطان وسرقة الأراضي وتهويد المقدسات والاعتداءات على الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

 

في المقابل خطاب الرئيس محمود عباس الأخير في الأمم المتحدة يعكس بشكل واضح أنه ما زال ملتزماً استراتيجياً بعملية السلام، وهذا معناه أنه ما زال يراهن على مسار المفاوضات والمفاوضات فقط دون امتلاك أي أوراق قوة يمكن أن يلوح بها أمام المجتمع الدولي والعالم إذا لم تتوقف دولة الاحتلال عن سياسة الاستيطان والانتهاكات في القدس ناهيك عن المواقف الإسرائيلية الواضحة بأن لا دولة فلسطينية ولا حديث عن حل الدولتين.

 

أوسلو فشلت بصفر كبير، التنسيق الأمني مستمر، والتطبيع قد يتسع في أي لحظة، والرهان على خيار المفاوضات من وجهة نظر حركة فتح لا زال خيارها الأوحد حتى الآن، فهل من المنطق أن يصبح الشعب الفلسطيني أمام حالة انعدام الخيارات بفعل سياسات وخيارات حركة فتح؟ أستطيع القول أن تحقيق الوحدة الوطنية ليست بالمعجزة، لكنها تتحقق حال توفرت الإرادة، وهناك تجارب سابقة وحدت الشعب الفلسطيني بشكل حقيقي "وثيقة الأسرى" أو ما تعرف بوثيقة الوفاق الوطني التي شكلت ولا تزال منطلقاً للوحدة الوطنية وقاعدة قواسم مشتركة يمكن أن يجتمع عليها الكل الفلسطيني، ناهيك عن الاتفاقيات الوطنية التي وقعت في العواصم العربية المختلفة على مدار السنوات الماضية.  

 

النتيجة المستخلصة أمام كل ما تم سرده أن استمرار التعويل على الحلول السياسية مع الاحتلال الاسرائيلي لن تقدم شيء للشعب الفلسطيني ، ولن تعيد له أي من الحقوق ، لن توقف الاستيطان أو التغول على الأسرى والمسرى ، وأن الرهان على المفاوضات مجدداً يشكل استمرار للعبث بالشأن الفلسطيني ، وأنه لا مفر أمام حركتي فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية إلا تجسيد الوحدة الوطنية واقعاً حقيقياً وعملياً والانطلاق في قطار ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على قاعدة مبادرة السيد إسماعيل هنية التي تضمنت مرتكزات وطنية راسخة واضحة المعالم نحو تشكيل قيادة فلسطينية حقيقية تضم المجموع الفلسطيني داخل منظمة التحرير والاتفاق على برنامج سياسي فيه تعدد الخيارات واستراتيجية تحرير وطنية وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيا ودولياً.

المصدر / المصدر: فلسطين الآن